الصحافة _ سعيد بلخريبشيا
في منتصف سنة 2003 استفادت شركة «تحالف الأشغال وتكسية الطرقات والتنمية العقارية» من أرض تابعة للأملاك المخزنية بمدينة خريبكة في إطار المسطرة الخاصة بالاستثمار وقامت ببناء عمارات فاخرة عددها 57 عمارة وحديقة على امتداد مساحة إجمالية تقدر ب22 هكتارا ونصف هكتار بثمن 300 درهم للمتر الواحد طبقا لدفتر التحملات. وأكد مصطفى الأشهب، مسير الشركة، في تصريح له لإحدى الجرائد، أن محمد الأشهب، صاحب الشركة، اقتنى في سنة 2003 هذا العقار وأقام عليه المجمع السكني الذي أطلق عليه «الفردوس» بموجب قرار لوالي الجهة السابق بتفويت الأرض ورخصة البناء رقم 470 بتاريخ 2 يونيو 2003.
وأكد بلاغ للشركة، أنه قبل انتهاء المدة القانونية للأشغال طلب منه رئيس المجلس البلدي السابق إيقاف الأشغال بحجة أن واجهات العمارات التي صودق على تصاميمها لم تحظ برضى عامل الإقليم آنذاك، وأنه يتعين عليه تغيير الواجهات. في هذا الوقت كانت العمارات المسموح بها في تصميم المشروع هي 57 عمارة، فيما بقيت مساحة مهمة فارغة من الأرض التي اقتنتها الشركة. وهنا، يضيف البلاغ نفسه، تلقى صاحب الشركة مقترحا بإضافة خمس عمارات على الأرض المتبقية وتسليم الشركة تصميما جديدا للواجهات يكون موضوع تصميم شامل مع تحويل «العمارة د11» من فندق، حسب التصميم الأول، إلى عمارة مخصصة للمكاتب.
اختلالات
مصادر مسؤولة وجد مطلعة أكدت وقوع اختلالات عديدة شابت المشروع، منها تفويت محلين تجاريين هما 41 و42، كانا باسم جمعية الأعمال الاجتماعية بعمالة خريبكة دون علمها، حيث إن رئيس المجلس الجماعي لخريبكة آنذاك (م.ع.) تسلمهما وقام ببيعهما وسلم قسطا من المبلغ المتحصل عليه (30 مليون سنتيم) لخيرية بالمدينة والباقي وزع بين الشخص المعني ومسؤول سابق نافذ.
المصادر نفسها أكدت أن مجموعة من العمارات والشقق، خاصة تلك التي أضيفت في التصميم التعديلي الثاني، شابتها هي الأخرى العديد من الاختلالات وتم تفويتها لجهات مسؤولة بالمدينةبأثمنة رمزية من قبيل عمارة «1 مكرر»، التي اقتناها مسؤول جماعي (م.ع.) بمبلغ 7 ملايين سنتيم وقام ببيعها بمبلغ 220 مليون سنتيم لمحام بهيئة مدينة خريبكة. إضافة إلى زيادة 5 عمارات سنة 2005، هي 1b7، و b458 ، و a359، و60b1a، و61b8، لتصبح 62 عمارة تضم 456 شقة و114 محلا تجاريا ومستودعا للسيارات، دون الحصول على الرخص اللازمة ودون المصادقة على تصاميم البناء.
كما تم إغلاق ثمانية ممرات عمومية داخل المركب السكني «الفردوس» بأمر من الرئيس السابق للمجلس (م.ع.) وضعت خصيصا في التصميم لتسهيل الولوج إلى الشوارع المجاورة وإلى المحلات التجارية. إغلاق هذه الممرات سد كل المنافذ المؤدية إلى دور المجمع السكني.
توالت الاختلالات، حسب الشركة، إلى أن اقترحت السلطات المحلية بالإقليم تسوية وضعية المجمع السكني، حيث عقد لقاء حضرته جميع المصالح بالإقليم إلا صاحب المشروع، الذي تم تغييبه، حسب قوله، علما أنه وجه العديد من المراسلات إلى المصالح المعنية.
وتضمن «برتوكول التسوية» شروطا، اعتبرها صاحب المشروع «مجحفة ومخالفة للتصميم المصادق عليه من طرف السلطات نفسها». ومن بين هذه الشروط المتعين التقيد بها من طرف صاحب المشروع عدم تحويل العمارة رقم «د11» الموجودة بزاوية شارع محمد السادس وشارع مولاي يوسف من فندق إلى عمارة للمكاتب، رغم أن الترخيص الثاني المصادق عليه من طرف المصالح البلدية بتاريخ 15 نونبر 2005 يشير إلى أنها عمارة للمكاتب.
بعد توالي الاختلالات، أحس صاحب الشركة بأنه أصبح على عتبة الإفلاس وهنا تقدم بشكاية إلى النيابة العامة التي أحالت الملف على الشرطة القضائية التي استمعت إليه، وإلى باقي أطراف الملف، الذي تضمن مجموعة من المحاضر القضائية التي أنجزتها الشرطة القضائية لخريبكة. هذه المحاضر تتضمن مجموعة من الوقائع تثير عدة تساؤلات حول هؤلاء الأشخاص وعلاقتهم بالملف، والذين من بينهم الرئيس الأسبق للمجلس البلدي، وهو عضو بمجلس المستشارين عن الحركة الشعبية ومسؤول جماعي أتى من بعده. وقد أنكر هؤلاء معرفتهم بهذه الوقائع، رغم وجود تسجيلات لمكالمات هاتفية أضاءت مجموعة من النقط الغامضة.
بروتوكول جديد
على إثر اجتماع اللجنة المختلطة للمصالح المختصة سنة 2008، وتحت إشراف عامل خريبكة بتاريخ 04 نونبر 2005، تم التوقيع على بروتوكول تضمن العديد من النقط لتسوية المجمع، وهو البروتوكول الذي وافق عليه صاحب المشروع، ومن بينها تسديد مبلغ الرهن لفائدة البنك الذي أداه السكان المتضررون.
العامل محمد صبري وضع بروتوكولا ثانيا، حيث دعا إلى الالتزام بتصميم التهيئة الأصلي لإنهاء مشكل «الفردوس»، إضافة إلى عدة نقط أخرى، هي فتح الممرات الثمانية الموجودة في دفتر التحملات لسنة 2003 وتسوية الوعاء العقاري وإنجاز فضاء أخضر(حديقة عمومية) مساحتها سبعة هكتارات ونصف، علما أن المساحة المبنية لا تتعدى هكتارين. علما أن هذه الحديقة لم تكن توجد في دفتر التحملات لسنة 2003.
حبس وبراءة
خلال شهر غشت من سنة 2009 قضت المحكمة الابتدائية بخريبكة بشهرين حبسا نافذا في حق محمد الأشهب صاحب المقاولة التي أنجزت المشروع في ملف المجمع السكني الفردوس، بعدما قدم في حالة اعتقال وتوبع بجنحتي النصب والتصرف في مال، ببيعه أضرارا لمن سبق التعاقد معه بشأنه، مع استرجاع كافة المستحقات لفائدة المتضررين وتعويضهم في حدود المَبالغ المالية المحدَّدة في عقود البيع الأصلية، على إثر الشكاية التي تقدم بها المتضررون إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بخريبكة الابتدائية ضد المعني وتسوية الوضعية القانونية والإدارية للمركب.
وقرر صاحب المشروع رفع دعوى قضائية إلى المحكمة الإدارية للدار البيضاء من أجل الشطط في استعمال السلطة، طالب من خلالها بحضور كل من وزيري الداخلية والمالية والمفوض القضائي للمملكة ورئيس الجماعة الحضرية بخريبكة محمد عثمون المستشار البرلماني الحالي عن الحركة الشعبية، والدينامو المحرك لاختلالات وفساد مشروع الفردوس. ويأتي رفع هذه الدعوى القضائية، بعدما راسل جميع الجهات الوصية، من أجل تمكينه من رخصة السكن.
تقرير المجلس الأعلى
كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن الإذن بإحداث التجزئة تم بعد أكثر من سنتين من منح رخصة البناء الأولى. كما أن تعديل تصميم البناء لم يحظ بموافقة الوكالة الحضرية لخريبكة وهو مما أدى إلى اختلال التوازن المالي لعقد البيع المبرم بين الدولة، ممثلة في مديرية الأملاك المخزنية والشركة المستثمرة، والذي حدد فيه ثمن المتر المربع الواحد في 300درهم وهو ما يعني أن مسؤولية الرئيس الأسبق للجماعة الحضرية وارد وواضح ولا غبار عليه. وذكر التقرير أن الهدف من وضع تصميم تعديلي كان هو تسوية وضعية أحدثتها الشركة المستثمرة بشروعها في بناء العمارات الإضافية.
الزيارة الملكية.. بداية الخلاص؟
هلل ضحايا الفردوس بالزيارة الملكية لسنة 2012 وكانوا يعقدون عليها أملا في أن تنهي معاناتهم داخل هذا المجمع السكني، وفعلا حينما أمر الملك محمد السادس بفتح تحقيق قضائي لتحديد المسؤوليات واتخاذ التدابير الضرورية لتمكين مقتني بنايات المركب السكني «الفردوس» المستوفين للشروط المطلوبة من وثائقهم الإدارية والقانونية. غير أن أمل المتضررين والساكنة والمجتمع المدني والرأي العام الخريبكي خاب حين قررت غرفة جرائم الأموال بالدار البيضاء بحفظ الملف في 2015 رغم أن مسؤولية رئيس المجلس البلدي لخريبكة الأسبق محمد عثمون واردة.
لماذا تسترت النيابة العامة على هذا الملف؟ هل هذا مصير الأوامر الملكية والتي تكون عادة مؤشر خطر على كل من سولت له نفسه التلاعب بمصالح المواطنين واستغلالهم من أجل الاغتناء الفاحش؟ لماذا لم يتم فتح هذا الملف ومتابعة المتورطين وعلى رأسهم رئيس المجلس الأسبق محمد عثمون والذي تفنن بمعية مسؤولين آخرين ولوبي عقاري في «التعذيب النفسي والمعنوي» لضحايا المركب السكني الفردوس و لسكان خريبكة؟ لماذا لم يأخذ القضاء مجراه ويتم تحديد المسؤوليات؟ أسئلة عديدة ومحرقة يطرحها الرأي العام الخريبكي على النيابة العامة القوية الآن باستقلال قرارها وبضرورة التزامها بالقانون والمساطر والمفترض فيها الضرب على يد كل من سولت له نفسه ضرب مصالح المواطنين وإلحاق الضرر بهم.