الصحافة _ كندا
يشهد صيف 2025 ظاهرة غير مسبوقة في السياق المغربي: حملة تشويه رقمية منسقة، تستهدف ضرب ثقة الجالية المغربية المقيمة بالخارج في وطنها الأم، وتشكك في قيمة عودتها الصيفية التي تُعد تقليدًا راسخًا في الذاكرة الجماعية، وعاملًا اقتصاديًا واجتماعيًا من الدرجة الأولى. والمثير في هذه الحملة، التي تزامنت مع مؤشرات سياحية إيجابية فاقت 8.9 مليون زائر في النصف الأول من السنة، ليس مضمونها، بل توقيتها، ومنهجيتها، وأسلوبها التواصلي الاحترافي، الذي يكشف عن خلفيات عابرة للحدود.
ففي خضم زخم الاستعدادات الصيفية، بدأت تنتشر مضامين رقمية سلبية عبر منصات التواصل الاجتماعي، تتحدث عن “تجارب سلبية” لمغاربة المهجر بالمغرب: من غلاء الأسعار، إلى فوضى المطارات، إلى سوء المعاملة. لكن خلف هذا السرد الظاهري، تقف سردية أشمل، تتغذى على التكرار والتضخيم والتنسيق المشبوه. إذ تشير تحليلات متعددة إلى أن جهات خارجية معادية للمغرب تقف وراء هذه المضامين، ساعية إلى تقويض أحد أقوى روافد الوحدة الوطنية: العلاقة العاطفية والوجدانية بين مغاربة العالم وبلدهم الأصل.
ليست هذه أول مرة يُستهدف فيها المغرب عبر أدوات “الحرب الناعمة”، لكن ما يميز صيف 2025 هو أن الجبهة انتقلت إلى الفضاء السيبراني، حيث تُخاض معارك الصورة والانطباع العام، وليس فقط الوقائع. ومن اللافت أن هذه الحملة الرقمية تمارس ضغطًا نفسيًا على الجالية، عبر صور درامية ومقاطع صوتية تحمل بصمات غرف إعلامية متمرسة في بث التشكيك واستهداف الرموز العاطفية المرتبطة بالوطن.
وفي مقابل هذا السيل من التشويه، لم يقف المغرب مكتوف الأيدي. إذ بادرت المؤسسات الوطنية، في مقدمتها المكتب الوطني المغربي للسياحة، إلى إطلاق حملات رقمية مضادة، توثق لتجارب حقيقية وإيجابية لأسر مغربية تقضي عطلتها داخل البلاد. كما دخلت مؤسسات النقل الجوي والبحري على خط التعبئة، بتقديم تسهيلات ملموسة، إلى جانب عروض مالية وتحفيزية من مؤسسات بنكية وازنة، تؤكد عناية الدولة المتواصلة بأبنائها بالخارج.
الأرقام بدورها تكذب الخطاب السلبي؛ فوزارة الداخلية الإسبانية، التي تشرف على عملية “Paso del Estrecho”، كشفت أن العبور نحو المغرب عرف ارتفاعًا فعليًا، وإن لم يتجاوز 2% في عدد المسافرين و5% في المركبات، ما ينسف مزاعم “الهروب الجماعي” التي تروجها بعض الجهات الإعلامية.
إن الجالية المغربية بالخارج ليست فقط ركيزة اقتصادية، بضخها لأكثر من 100 مليار درهم سنويًا، بل هي قوة معنوية وحضارية، وجسر مستدام بين المغرب وامتداداته العالمية. واستهدافها بهذا الشكل الممنهج لا يهدف فقط إلى ضرب القطاع السياحي، بل إلى المساس بالتماسك الوطني من بوابة الروابط النفسية والرمزية.
التحدي اليوم، إذن، لا يتمثل فقط في الرد الإعلامي أو التوضيحات الرسمية، بل في تمكين الجالية من أدوات المواجهة الرقمية، وتحفيزها على أن تكون روافد حقيقية للخطاب المضاد، من خلال شهاداتها وتجاربها الشخصية. فالمعركة، في جوهرها، ليست حول “المعطى”، بل حول “المعنى”. وبين واقع الجغرافيا وتضليل الصورة، يبقى الرهان على وعي الجالية، وتماسكها، وإصرارها على المساهمة في بناء الوطن، بالرغم من محاولات التشكيك.
إن صيف 2025 يعلّمنا أن الأمن الرقمي لم يعد ترفًا، وأن المعركة حول الثقة لا تقل أهمية عن المعركة حول التنمية. الجالية المغربية، التي اختارت العودة رغم التضليل، تبرهن أنها ليست فقط موضوعًا في الحملات، بل فاعلًا محوريًا في حسم معارك الانتماء.