الصحافة _ كندا
في سياق التحولات الجيو-اقتصادية المتسارعة التي تعرفها سلاسل القيمة العالمية، يبرز المغرب كمحور صناعي صاعد في ميدان تصنيع السيارات الكهربائية، في مشهد يعيد تشكيل موازين القوى التقليدية داخل الصناعة الأوروبية، ويطرح تحديًا وجوديًا على دول رائدة مثل إيطاليا وفرنسا.
تقرير حديث نشره الموقع الإسباني Autobild.es، سلط الضوء على الدينامية اللافتة لصناعة السيارات في المغرب، مشيرًا إلى أنه مرشح لتجاوز إيطاليا في حجم الإنتاج مع أفق سنة 2028، مما يجعله منافسًا مباشرًا لفرنسا، كما عبّرت عن ذلك الصحافية المتخصصة كلوديا باتشيكو التي اعتبرت المغرب بمثابة “تهديد تنافسي” حقيقي للاتحاد الأوروبي في هذا القطاع الحيوي.
أبرز تجليات هذا التحول العميق تتجسد في قطارات الشحن العابرة لشمال المملكة، المحملة بسيارات كهربائية من إنتاج مصانع رونو بمنطقة طنجة، والمتجهة نحو الأسواق الأوروبية عبر الموانئ المتوسطية، في مشهد يختصر ببلاغة المسار التصاعدي للتموقع الصناعي المغربي في قلب السوق الأوروبية.
ويُعزى هذا الصعود المتسارع إلى حزمة من العوامل البنيوية والجيوسياسية التي مكنت المغرب من استقطاب كبريات المجموعات الصناعية: موقع استراتيجي فريد بين أوروبا وإفريقيا، كلفة إنتاج منخفضة تصل إلى ما دون كلفة التصنيع في الصين، اتفاقيات تبادل حر مع الاتحاد الأوروبي، بنية تحتية صناعية ولوجستيكية حديثة، إلى جانب الاستقرار السياسي والمؤسساتي الذي يُعزز ثقة المستثمرين الدوليين.
الأرقام الصادرة عن وزارة الصناعة تُعزّز هذه الصورة: أزيد من 700 ألف سيارة تم إنتاجها خلال سنة 2023، بنمو يناهز 15% مقارنة بسنة 2022، بينما بلغت صادرات القطاع ما يفوق 141 مليار درهم، أي ما يعادل 13 مليار يورو، محققة قفزة بنسبة 27%.
ويتطلع المغرب إلى رفع إنتاجه السنوي إلى مليون وحدة بحلول 2025، و1.4 مليون وحدة في أفق 2028، ما يؤهله لتجاوز اقتصادات أوروبية ناشئة مثل المجر ورومانيا، ويقربه من مستويات بولندا.
ورغم أن هذا التحول يفتح آفاقًا للتكامل الصناعي مع إسبانيا، من خلال ارتفاع الطلب على وارداتها، فإنه يثير قلقًا متزايدًا في الدوائر الاقتصادية الأوروبية، خاصة في ظل فجوة الأجور، حيث لا يتجاوز متوسط الأجر الشهري في المغرب 300 يورو، مقابل ضغوط اجتماعية خانقة وتكاليف إنتاج مرتفعة داخل الاتحاد الأوروبي.
وفي ضوء التوجه المغربي نحو تعزيز التصنيع الذكي والتكنولوجيات النظيفة، يبدو أن المملكة لا تسعى فقط إلى جذب الاستثمارات، بل إلى إعادة تعريف دورها في خارطة الاقتصاد العالمي، بوصفها شريكًا استراتيجيًا وليس مجرد قاعدة خلفية للإنتاج.
هذه التجربة المغربية تقدم نموذجًا ملهمًا للدول الصاعدة في العالم العربي وإفريقيا، مؤكدة أن الرؤية الاستراتيجية المقترنة بالإرادة السياسية والتخطيط الصناعي قادرة على تحويل الاقتصادات النامية إلى لاعبين محوريين في المنظومة الاقتصادية العالمية الجديدة، رغم التحديات الجيوسياسية والرهانات المناخية المعقدة.