الصحافة _ كندا
في مشهد يعكس ارتباكاً مؤسسياً وتوتراً سياسياً متصاعداً، يتواصل الجدل داخل مجلس النواب حول ملف “دعم الفراقشية” المتعلق باستيراد المواشي، حيث تحوّل الخلاف بين الأغلبية والمعارضة من نقاش رقابي إلى صراع دستوري مفتوح، تُستخدم فيه كل أدوات الضغط من أجل فرض تأويلات متناقضة لآليات المحاسبة البرلمانية.
وبينما تتمسك فرق الأغلبية بمقترح تشكيل مهمة استطلاعية برلمانية كإجراء تقني محدود، تصر المعارضة على أن خطورة الملف وحجم الشبهات المرتبطة به تقتضي تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وهي أعلى آلية دستورية للمساءلة البرلمانية. ومع انسحاب المعارضة من أشغال لجنة القطاعات الإنتاجية واتهامها للأغلبية بـ”الهيمنة” و”إقبار الحق في الرقابة”، انفجرت المواجهة السياسية على خلفية اتهامات مباشرة بـخرق الدستور وتوظيف الأغلبية لأغلبيتها العددية لتصفية الحسابات وتكميم النقاش.
ولم تُخفِ فرق المعارضة غضبها مما وصفته بـ”التواطؤ البرلماني” بين مكتب مجلس النواب ولجنة القطاعات الإنتاجية لتمرير مهمة استطلاعية على المقاس، بينما تم تجاهل طلبها السابق والزج بمبدأ التناوب كذريعة واهية لإقصاء مقترح تقصي الحقائق.
المفارقة أن الملف، الذي يتعلق أساساً بجدل دعم عمومي موجه لاستيراد المواشي في ظروف استثنائية، تحوّل إلى ساحة حرب سياسوية، تحكمها التوازنات الحزبية، في الوقت الذي يطالب فيه الرأي العام بإجابات واضحة حول من استفاد فعلياً من هذا الدعم، وما إذا كانت الأموال العمومية قد وُظفت بما يخدم السوق والمستهلك، أم أنها صُرفت لفائدة لوبيات احتكارية.
وبدل أن تُشكل اللجنة وسيلة للوصول إلى الحقيقة، أصبحت في ذاتها موضوع صراع على النفوذ والمشروعية، في مؤشر جديد على أزمة الثقة داخل المؤسسة التشريعية، وعجزها المتكرر عن تأمين رقابة جدية وشفافة، خصوصاً في ملفات ترتبط بالعدالة الاقتصادية وشفافية التدبير العمومي.
وفي الوقت الذي تُغلق فيه الأغلبية الباب أمام لجنة تقصي الحقائق، وتكتفي بتسويق مهمة استطلاعية محدودة، يُحذر مراقبون من أن البرلمان يُفرّغ تدريجياً من جوهره الرقابي، ويتحول إلى أداة تزكية لقرارات الحكومة، وهو ما يفتح المجال أمام المزيد من العزوف السياسي وفقدان الثقة في المؤسسات التمثيلية.
السؤال المطروح اليوم ليس فقط من سيراقب، بل هل ما يزال البرلمان قادراً على ممارسة اختصاصاته الدستورية في ظل سطوة الأغلبية وتراجع منسوب التوافق السياسي؟