الصحافة _ وكالات
بعد تصاعد موجة الغضب الحقوقي في الفترة الأخيرة، وإطلاق مبادرات كبرى للاحتجاج والترافع ضدّ حملة الاعتقالات والمحاكمات التي طاولت نشطاء حقوقيين وإعلاميين ومدونين؛ أصدرت العدالة المغربية، منذ بداية الأسبوع الحالي، سلسلة أحكام وقرارات بشأن إطلاق سراح بعض المعتقلين وتخفيف الأحكام ضدّ آخرين، بخاصة القصّر.
وأصدرت محكمة الاستئناف بـمدينة مكناس، يوم أمس الخميس، قراراً يقضي بقبول طلب الإفراج المؤقت الذي قدّمه دفاع التلميذ أيوب محفوظ، والذي كان موضوع حملة إلكترونية عبر وسم free_Ayoub، والتي أطلقتها منظمات وشخصيات حقوقية لتمكينه من استعادة حريته واستئناف دراسته الثانوية، بعدما أدين بثلاث سنوات سجن بسبب تدوينة له تضمنت كلمات أغنية “عاش الشعب” الشهيرة، والتي توجه انتقادات قوية للسلطات المغربية.
وجاءت استجابة المحكمة لطلب الإفراج المؤقت عن أيوب قبل أولى جلسات المحاكمة في مرحلة الاستئناف، والتي تعقد يوم الاثنين المقبل. وبرّر القضاء المغربي هذا القرار بمراعاته للظروف الاجتماعية للتلميذ أيوب، والذي يُلاحق بتهم الإخلال بالاحترام الواجب لشخص الملك، وإهانة موظف عمومي أثناء مزاولة عمله.
وصدر هذا القرار بعد ساعات قليلة من قرار مماثل اتخذته محكمة الاستئناف بمدينة العيون جنوبي المغرب، والتي خفّضت عقوبة الشاب القاصر حمزة أسعابر، البالغ من العمر 17 سنة، من 4 سنوات سجنا، التي أدين بها ابتدائيا، إلى 8 أشهر.
ولم ينل القرار رضا الحقوقيين، إذ سارع أحد أبرز الحقوقيين الذين يقودون حملات المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، خالد البكاري، إلى نشر تدوينة قال فيها إن تخفيض الحكم يمكن أن يفرح أسرة وأصدقاء الطفل حمزة قليلا، لكنه “سيظل حكما يحاكم العدالة في هذا البلد، التي أدانت تلميذا بسبب أغنية لم تسئ لأي شخص، ولم يشتك منها أحد”، في إشارة منه إلى أغنية “راب” قصيرة نشرها حمزة أسعابر ليجد نفسه رهن الاعتقال.
وفي أقصى شمالي المغرب، وتحديداً مدينة الحسيمة التي عرفت حراكا اجتماعيا قويا في السنوات الأخيرة، أصدرت محكمة الاستئناف في المدينة، يوم الثلاثاء الماضي، قرارا يبرئ طفلا اعتقل بداية الأسبوع الحالي، بعدما ظل يُبحث عنه منذ الأحداث الاجتماعية التي شهدتها المدينة عام 2017، وأدين غيابيا بخمس سنوات سجنا. وبعدما استمعت محكمة الاستئناف إلى مرافعة النيابة العامة حول تهمة المشاركة في أعمال عنف ضد قوات الأمن، لم تجد في صك الاتهام ما يبرر توقيف وسجن الطفل “أ. ب.”، وأمرت بالإفراج عنه فورا وتسليمه لأسرته، مع مواصلة ملاحقته بجنحة المشاركة في تظاهرة غير مرخصة.
وكانت الحسيمة قد قابلت بارتياح كبير، يوم الاثنين الأخير، صدور قرار المحكمة الابتدائية بإخلاء سبيل مواطن مغربي مقيم في بلجيكا، محمد الأحمدي، فوجئ لدى وصوله إلى المغرب، الأسبوع الماضي، بتوقيفه من قبل السلطات الأمنية لكونه ضمن الأشخاص المطلوبين بسب ما عُرف بـ”حراك الريف” الذي شهدته مدينة الحسيمة.
وواجه الأحمدي تهما من قبيل الدعوة إلى التظاهر والتحريض على العصيان، لكن المحكمة قضت ببراءته وخلّصته بالتالي من القيود التي كانت تمنعه من مغادرة المغرب، والعودة من جديد إلى بلجيكا حيث يقيم بشكل دائم.
وتزامنت هذه القرارات والأحكام القضائية، مع العفو الذي خصّ به الملك محمد السادس الأسبوع الماضي، 8 نساء، سبق للقضاء المغربي إدانتهن بالسجن؛ بسبب تورطهن في أعمال إرهابية.
وقال بيان صادر عن وزارة العدل المغربية إنه “وفي إطار العفو الملكي المعتاد بمناسبة ذكرى 11 يناير/ كانون الثاني، التي تُخلّد لتقديم الوطنيين المغاربة وثيقة للمطالبة بالاستقلال عن فرنسا عام 1944، أبى جلالته دام له النصر والتمكين إلا أن يسبغ عفوه الكريم على ثماني نزيلات محكوم عليهن في قضايا إرهابية شاركن في الدورة الخامسة من برنامج مصالحة”. ويتمثل برنامج “مصالحة” في عملية مراجعة تُشرف عليها هيئات رسمية لصالح السجناء المدانين بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب، بهدف حملهم على تغيير قناعاتهم المتطرفة، وفي حال ثبوت نجاحهم في ذلك، يتم الإفراج عنهم وفقا لعفو ملكي.
وجاءت كل هذه الخطوات بعد موجة توقيفات ومحاكمات عرفها المغرب في الشهور الأخيرة، شملت عددا من الصحافيين والنشطاء والمدونين، مما أثار موجة غضب واحتجاج من جانب هيئات وشخصيات حقوقية مغربية.
وقالت منظمة “هيومان رايتس ووتش”، في تقريرها السنوي حول وضعية حقوق الإنسان في العالم، والذي صدر منتصف الأسبوع الجاري، إنّ السلطات المغربية “واصلت استهدافها الانتقائي للمنتقدين، بالإضافة إلى مقاضاتهم، وسجنهم، ومضايقتهم، وفرض العديد من القوانين القمعية ضدهم، لا سيما المتعلقة بالحريات الفردية”.