الصحافة _ وكالات
“الأطلس” سلسلة جبال تمتد نحو 2400 كيلومتر شمال شرق القارة الافريقية، مطوقةً خاصرة المغرب. وتعد هذه الجبال الواقعة في وسط البلاد تقريبًا منطقة سياحية ذات أهمية كبيرة، سواء بالنسبة للمغاربة الذين يتمتعون بمستوى معيشة جيد أو للسياح الأجانب.
لكن في المنطقة الجبلية من الأطلس المغربي، والتي تشتهر في معظمها بالثقافة الأمازيغية، لا يعيش الجميع في بحبوحة السياحة، بل للحكاية وجه آخر.
يعيش العديد من سكان هذه الجبال في المدن الصغيرة والبلدات والقرى وفي مناطق بعيدة، ويوجد بعضهم في ما يمكن أن يسمى مكانا خارج حضارة القرن الحادي والعشرين.
فهم يعيشون في المناطق الأكثر فقراً في المغرب، يعانون نقصا في كل شيء، الطرق والمستشفيات والمراكز الصحية والمدارس والبنية التحتية الأساسية مثل قنوات الصرف الصحي والطرق المعبدة والكهرباء في بعض الحالات، فالحياة في جل هذه المناطق صعبة للغاية.
ويعيش سكانها من تربية الماشية والزراعة التي تنتج لهم الكفاف اليومي.
وفي فصل الشتاء، الذي نعيش بدايته، وبالإضافة إلى البرودة الشديدة، وتساقط الثلوج، تعيش العديد من القرى بمعزل عن العالم الخارجي لأسابيع.
وهناك حالات في بعض الأماكن تؤكد وفيات الأطفال بسبب سوء التغذية، ويمكن أن تصبح نزلات البرد البسيطة مرضًا أكثر خطورة، يؤدي إلى الموت.
الفقر، ليس حصراً على سكان المغرب النائي، ففي تقرير نُشر في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فحص البنك الدولي الوضع الاقتصادي للمغرب، والتحديات المستقبلية التي تواجهه، خاصة تلك المتعلقة بالفقر. وكشف عن وجود تسعة ملايين فقير مغربي، أي 24 في المئة من إجمالي السكان “يُعتبرون فقراء أو معرضين لخطر الفقر”.
مغربان
لا أحد، باستثناء بعض وسائل الإعلام، أو جمعيات المجتمع المدني، أو المنظمات التي تدافع عن حقوق الإنسان، يتحدث عن هذا المغرب الذي يبدو كأنه يعيش في القرون الوسطى، والذي لا يهم السلطات المحلية أو وكالات السياحة الدولية. وتفصل هذه المنطقة الجبلية بين سواحل البحر المتوسط والأطلسي عن الصحراء، ولن يتحمل الكثير من أبناء العيش المخملي أسبوعًا واحدا، إذا أراد العيش كواحد من سكانها الفقراء.
سعيد العنزي تاشفين، منسق جمعية “الدفاع عن حقوق الإنسان الوطنية” بجهة درعة تافيلالت يقول لـ”القدس العربي” إن المغرب تنمويا منقسم إلى محظوظ، تتحرك فيه عجلة التنمية بسرعة الأرنب، وآخر تعطلت فيه العجلة، أو تتحرك بسرعة السلحفاة في أحسن تقدير”.
ورغم ما بذل من مجهودات منذ 2005 لحظة ميلاد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، في سياق محاربة الفقر والتهميش، فإن النتائج “بكل موضوعية وحياد” وفقا لسعيد “ما تزال محتشمة، وبدون تطلعات عموم المواطنين، بدليل ما تشهده البلاد من ديناميات اجتماعية صاخبة تحتج ضد الإقصاء والتهميش”.
وكما يحدث في كل عام، وتحت سياط فصل الشتاء، التي تجلد بالبرد والثلج، يغادر بعض سكان الأطلس قراهم، ويحاولون وحدهم الوصول إلى أماكن أقل ضراوة في المنطقة.
وفقًا للمعلومات التي تتداولها تقارير صحافية، فقد اشتدت حدة البرد في الأطلس. وتتساقط الثلوج كثيرًا، وتم إغلاق عدة طرقات، كما تم عزل بعض القرى. أما انقطاع التيار الكهربائي فشيء متكرر.
شلل كامل
وتعتبر الحياة الاقتصادية والاجتماعية في مناطق واسعة من الأطلس مشلولة بالكامل، ويرتفع سعر الخشب للتدفئة بشكل كبير.
العديد من الرعاة عانوا من الثلوج والبرد بشكل كبير، وفي بعض الحالات فقدوا قطيعهم بأكمله.
ولكن الهزة الأرضية التي ضربت إقليم “ميدلت” مؤخرا بقوة 5.3 درجة على سلم ريشتر، أدت بالكثير من سكان الإقليم إلى الركض نحو العراء، واضطر سكان مناطق مثل انمل وبودريم والقصابي وأخرى قريبة من بؤرة الزلزال، إلى المبيت وسط خيم كاللاجئين لإيواء عائلاتهم من البرد، خوفا من انهيار المنازل الطينية التي خلخل الزلزال بنيتها.
ويرى سعيد تاشفين أن ما وقع خلال السنوات الأخيرة من “خسائر بفعل التقلبات المناخية، خاصة بالأطلس الكبير الشرقي، وكل قرى المغرب النائي، يلحق ضررا بالسكان الذين يتحملون وحدهم هذا العيش، مع تدخلات محتشمة في مضمار الاحسان، الذي يهدر كرامة المواطنين، ويخدش فكرة المواطنة العادلة والمنصفة”.
ويقول مصطفى، أحد سكان ميدلت لـ “القدس العربي” إن من “الصعب للغاية التنبؤ بالظواهر المناخية” لكن ما لا يتفهمه هو أن “السلطات المحلية والوطنية لا تتخذ تدابير وقائية في مواجهة ظاهرة يمكن التنبؤ بها”.
وكل المغرب، حسب مصطفى، عُرف أنه سيكون باردًا جدًا، خصوصا في الأطلس، لكنه يأسف لأن “مرة أخرى، تجاهلت السلطات المعنية هذا الواقع”.
ويتهم العديد من الوزارات، مثل النقل والداخلية والصحة، لأنها لم تنجز مهمتها المتمثلة في مساعدة السكان الذين يحتاجون ذلك.
ويقول “في البلدان التي تكون فيها الدولة في خدمة الناس، تسبب الكوارث في تعبئة عامة خلال ساعة واحدة”. وللأسف “هذا ليس هو الحال في المغرب.
معطيات رسمية
لكنّ للحكومة رأيها، ففي جواب على سؤال طرحه أحد البرلمانيين المغاربة حول الإجراءات الاستباقية المتخذة للتخفيف من آثار البرد الذي تعرفه بعض المناطق موسميا، أشار عبد القادر اعمارة، وزير التجهيز والنقل، إلى أن الإجراءات انطلقت هذه السنة بتوفير 2480 طبيبا وممرضا سيشتغلون ضمن 36 قافلة طبية و745 وحدة طبية، بالإضافة إلى المستشفيات الميدانية، مزودة بـ465 سيارة إسعاف.
وأشار إلى وضع الجهات المسؤولة بتنسيق مع مؤسسة محمد الخامس للتضامن، لمخزونات من المواد الغذائية في كل من مراكش ومكناس وبني ملال ووجدة والحسيمة وفاس وتطوان، بالإضافة لمخزونات الدفاع المدني من الخيام والأغطية.
وتفيد الإحصائيات الرسمية أن المغرب يضم اليوم 27 إقليما يشهد كل سنة انخفاضا كبيرا لدرجات الحرارة، يضم 232 جماعة و1753 مركزا، يقيم فيها أكثر من 736 ألف مواطن.
كما توضح المعطيات نفسها أن عدد الأقاليم المغربية المتأثرة بالانخفاض الشديد لدرجة الحرارة شهد ارتفاعا بحدود عشرة أقاليم خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث انتقلت منذ العام 2009 من 17 إلى 27 إقليما.
مطرقة الشتاء
على مشارف فصل الشتاء، وفي البلدان التي تنمو حاليًا بوتيرة مهمة، ولسوء الحظ، غالبًا ما تترك أكثر الناس ضعفًا في طي النسيان على هذا الطريق، مما يؤدي إلى استمرار حالة الفقر لديهم بمرور الوقت. ومجرد الولادة أو العيش في المغرب النائي، يعني أن تعيش خارج مدار الزمن الذي يسري بالبلاد على متن براق التقدم.
السواد الأعظم من ساكنة جهة درعة تافيلالت، يعاني ما يعانيه بقية سكان المغرب الواقع في عمق النسيان.
ويؤكد الحقوقي العنزي تاشفين، لـ”القدس العربي” أن درعة تافيلالت واحدة من “أكثر جهات المغرب، تأخرا في سلم التنمية، بما يوطد واقع التهميش والهشاشة”.
ويشير إلى أن تلك حقيقة “تقتضي الاعتراف بأن كل الجهود المبذولة تأتي من موقع ردود الفعل الظرفية الجامحة من لدن الدولة ومختلف الفاعلين” مشددا على أن “مختلف ربوع الجهة تعاني كثيرا من المشاكل على كل المستويات، لدرجة أن السكان يعانون ويلات الغبن من جراء غياب المنشآت الصحية، وضعف البنى التحتية، لدرجة أن هناك مناطق تعيش زمن العصر الوسيط” حسب تعبيره.
ويعتبر أن أول معوق يحول دون قدرة المغرب على إنتاج نموذج تنموي مؤسس، على خدمة المجتمع، هو “دحض مبدأ العدالة المجالية لصالح مجال مديني محظوظ، على أشلاء مجالات قروية، ريفية منبوذة بمقياس التنمية البشرية”.
ويشدد على أن الأسئلة الاجتماعية “تطول السياسات العمومية غير القادرة على بناء تصور استراتيجي ومخططات واقعية في سياق حسن تقسيم الثروة كمدخل لتقسيم الحظوظ، وفق قواعد تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن الواحد”.
وذكر الناشط الحقوقي بـ”غياب مستشفى جامعي بجهة درعة تافيلالت، وانعدام كلية للطب، وعدم إنجاز بنى تحتية مؤسساتية، حتى أن كل الوزارات تقريبا ما تزال تستأجر مقراتها لدى الخواص، وعدم إنجاز محاكم متخصصة بالجهة كالمحكمة الإدارية والتجارية مثلا، وغياب متر واحد من الطريق الصالح ومن السكة الحديد، وانعدام المدارس والمعاهد العليا، وعدم إرساء وضعية قانونية لجامعة موحدة”.
واستطرد قائلاً أن هذه المؤشرات تؤكد “وضعية الهشاشة والإقصاء” ومن موقعنا الحقوقي ننقل لصناع القرار حجم المعاناة التي تلاحق جحافل البؤساء هنا، عبر غياب فرص النماء، وانتشار البطالة، وهيمنة البؤس الوجودي، وعودة الأمراض القروسطية كالسل، ناهيك عن هدر الأمن المائي، كما هو حال رفض بناء سد على وادي غريس، رغم المطالب المستمرة، والأخطر ما تتعرض له المنطقة من استنزاف الثروة المائية الباطنية، من لدن المستثمرين الكبار الذين يستفيدون من أراضي الجموع بأشكال غير مفهومة، ويستفيدون من تحفيزات ما يسمى بالمخطط الأخضر، على حساب الفقراء والفلاحين الصغار، بما يحاصر الفلاحة المعيشية التي تشكل سند المجتمعات في هذه الربوع”.
كلام الحقوقي تاشفين صرخة من عمق المغرب، فهل تستمع حكومة الرباط لهذا الطلب؟ لا يبدو من المرجح ذلك، وفق ما يؤكده السكان المحليون، فهذه المناطق، باقية على حالها منذ زمن.