سعيد الكحل يكتب: اللجوء السياسي غاية النضال الابتزازي

28 مارس 2025
سعيد الكحل يكتب: اللجوء السياسي غاية النضال الابتزازي

الصحافة _ بقلم: سعيد الكحل

خلال سنوات الرصاص اضطر كثير من المعارضين، بمن فيهم القيادات مثل بنسعيد أيت يدر، عبد الرحمن اليوسفي، الفقيه البصري، امبارك بودرقة وغيرهم، إلى “المنفى” فرارا من القمع والملاحقة بسبب أنشطتهم السياسية. ورغم ما تتيحه لهم وضعية “لاجي سياسي” من امتيازات أقلها حمل جواز سفر يسمح بالدخول إلى مختلف البلدان باستثناء بلده الأصلي، ظل المناضلون المنفيون متشبثين بحق العودة إلى وطنهم والمساهمة إلى جانب مواطنيهم في بناء وطن قوي يتسع لجميع أبنائه. ففي مذكراته “بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة” باح المناضل امبارك بودرقة، وهو أحد قادة ثورة 1973 المسلحة، بحنينه الجارف وشوقه الكبير إلى العودة للوطن: “لم يكن تأجيل عودتي أكثر من مرة لما يناهز ست سنوات، أي منذ التزامي مع السرفاتي سنة 1995 ليعني أنني كنت مستغنيا عنها، مُعْرضا عن فكرة معانقة أرض الوطن. فالعكس تماما ما كنت أعيشه وجدانيا وإنسانيا، إذ كنت أتحرق شوقا لليوم الذي سيصبح فيه ذلك الحلم المؤجل حقيقة معاشة”. كذلك كان حال كل المنفيين.

بات ليلة في الدباغ أصبح ﯕربة.

بخلاف الأجيال السباقة من المناضلين الذي كانوا يصدرون عن قناعات فكرية رصينة وخلفيات إيديولوجية واضحة ورؤى سياسية شاملة وبرامج نضالية يغلب فيها الاستعداد للتضحية وتنتفي منها الميول الانتهازية، طفت على مواقع التواصل الاجتماعي عينة من مدّعي النضال تآلفت قلوبهم على معاداة الوطن والحقد على النظام. لغتهم السباب والقدف، وأسلوبهم التشهير والافتراء والنهش في الأعراض بعيدا عن كل تحليل رصين وخطاب متماسك. خطاب بدون معنى ولا مبنى. وغاياتهم شتى، فمن مرتزقة عملاء يخدمون أجندة أعداء الوطن لا يقولون إلا ما يملى عليهم إرضاء لأولياء نعمتهم، ومنهم شحاتون يتسولون المشاهدات لرفع مداخيلهم على حساب الوطنية والأخلاق والمروءة، وآخرون يئسوا من ابتزاز الدولة وفشلوا في لي أذرعها فلم يبق لهم سوى التنطع والنقيق غايتهم من ذلك استفزاز الدولة بما استطاعوا من نقيق ونهيق عساهم يستفيدوا من “المنفى” ومن وضعية “لاجي سياسي”، فيصدق فيهم المثل الشعبي “بات ليلة في الـﯕلتة أصبح ابن عم جْران”.

اليوتيوب كالمسدس يساوي بين الشجاع والجبان.

من الأعراض الجانبية لليوتيوب ظهور طفيليات لا لون لها ولا طعم، لم تألف وجودَها الساحات النضالية، ولا شهدت على انخراطها المعاركُ النقابية أو السياسية. كل رصيدها قاموس السباب وقيم الانحطاط ووقاحة الخطاب، فركبت موجة التفاهة والسفالة متوهمة أنها بامتلاكها “حاسوب ويوتيوب” ستقلب النظام وستحكُم الأنام. وصدق صمويل كولت، لما اخترع المسدس قال: “الآن يتساوى الشجاع والجبان”. فكذلك هو الحال اليوم مع اليوتيوب الذي يساوي بين العلماء والعملاء، بين المناضلين والمرتزقة، بين الوطنيين والخائنين.

إن المناضل الحقيقي كالمقاوم الصادق يظل وفيا للوطن وللشعب مهما كلفه نضاله من تضحيات، ذلك أن حبهما يجري في عروقه مجرى الدم. أما المرتزق فلا يحتاج عداؤه للوطن وحقده عليه دليل إثبات. إذ يكفي فرحه لهزة أرضية ضربت بلاده، أو استبشاره بكارثة طبيعية أو أزمة دبلوماسية، أو ابتهاجه لهزيمه منتخب بلاده للتمييز بينه وبين المواطن سليم الطوية الذي يفرح لفرح شعبه ويحزن لحزنه ويتألم لآلام مواطنيه. فرق كبير بين مناضلين أخلصوا في حبهم لوطنهم وتفانوا في التضحية من أجله، فلم تغرهم الحياة في “المنفى” ولا طاب عيشهم في الغربة، فناضلوا من أجل الرجوع إلى وطنهم الذي لم يساوموا عليه، وبين أدعياء النضال الذين يتفاخرون بامتلاكهم جوازات سفر أجنبية، بل منهم من أحرق أوراق هويته المغربية. فعن أي نضال ينعق الناعقون ولم يراعوا في الوطن ومؤسساته إلاًّ ولا ذمة؟

من اتخذ الغراب دليله قاده إلى الجِيَف.

أثبتت الأحداث التي شهدتها دول “الخريف العربي” أن نفق المشاريع السياسية التخريبية الذي أُجبِرت على دخوله مسدود ودون مخارج تحفظ للشعوب كرامتها وتضمن للمواطنين الحقوق والحريات. فأي مشروع سياسي يحمله المرتزقة والعملاء؟ وأي نموذج ديمقراطي ستؤسسه جماعة العدل والإحسان بفرض نظام الخلافة الموغل في الوحشية والاستبداد بقطع الأطراف وسمل العيون ورمي المعارضين في الصحراء ليموتوا عطشا؟ ومتى كانت الدكتاتورية البروليتارية لليسار المتطرف تؤسس للحريات وتضمن الحقوق وتؤمن بقيم الاختلاف؟ إنهما وجهان للاستبداد الدموي.

إن الأنظمة التي فرضتها “الثورات” على الشعوب العربية والإسلامية (العراق، سوريا، اليمن، إيران، تونس، ليبيا، السودان..) لم تشهد الشعوب مثيلا لها في البطش والقهر والاستبداد. لهذا لن يقبل المغاربة تغيير نظام تصدّر دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط في تصنيف الديمقراطية لعام 2024، وفق تقرير صادر عن وحدة الأبحاث الاقتصادية التابعة “لمجموعة إيكونيميست” البريطانية، بأنظمة تحكمها عصابات دينية متطرفة أو دكتاتوريات حولت الأوطان إلى سجون وألقت بكل المعارضين خلف القضبان.

يا أدعياء النضال خذوا الدروس من أبناء المغرب في المهجر الذين اختاروا اللعب بقميص الفريق الوطني رغم كل الإغراءات التي قُدمت لهم من دول الإقامة والمولد. فمعاول الهدم لا تبني الأوطان ولكن تبنيها السواعد القوية والخبرات الغنية والإرادات الخيرة. فالوطن، مهما كانت المآخذ يظل الحضن الجامع.
                     بلادي وإن جارت على عزيزة .. وأهلي وإن ضنوا علي كرام.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق