بقلم: محمد بوبكري
بعد قراءتي لتصريح “رمطان لعمارة”، فوجئت بالتهم الباطلة التي يوجهها حكام الجزائر إلى المغرب، الذين قالوا عنه إنه يتدخل في شؤونهم الداخلية، ويشن حملة إعلامية ضدهم، ويمارس التجسس عليهم….
وردا على ادعائهم أن المغرب يتدخل في شؤونهم الداخلية، فإن هذا كلام مردود عليهم، لأن حكام الجزائر قرروا منذ بداية ستينيات القرن الماضي التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، حيث خضعوا منذ البداية للتوجهات القومجية الناصرية، التي كانت تروم إضعاف النظام المغربي وقلبه، ليخلو المجال لبسط سيطرتها على المنطقة. هكذا، فقد كانت لهم تدخلات في الشؤون الداخلية للمغرب، حيث دفعوا بجهات عديدة مدنية وعسكرية للقيام بانقلابات في المغرب، الأمر الذي انكشف مع مرور الزمن، ولم يعد خاف على المغاربة وعلى القوى الدولية.
لقد تأكد أن السفاح أوفقير كان مرتبطا بحكام الجزائر، لأنه قام بالتنسيق معهم لكل عملياته الانقلابية الفاشلة. لذلك، ألا يشكل هذا تدخلا في الشؤون الداخلية للمغرب؟
وفي منتصف سبعينيات القرن الماضي، قام حكام الجزائر بمشاركة “معمر القذافي” بصناعة مليشيات “البوليساريو”، حيث قاما هذان الطرفان بتأسيسها وتنظيمها وتمويلها وتسليحها، كما ان حكام الجزائر قد قاموا باحتضانها في الجزائر، والدفع بها لاستفزاز المغرب بغية استنزافه وإضعافه، حيث كانوا يرمون من وراء ذلك إلى احتلال الصحراء المغربية، الأمر الذي يستجيب لأوهامهم القبلية القومجية التوسعية… تبعا لذلك، ألا يشكل الهوس بالتوسع على حساب المغرب اعتداء شنيعا على الوحدة الترابية المغربية؟ …
ألا يعد الاعتداء على الوحدة الترابية أخطر من التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب؟ ألا يرمي عمل حكام الجزائر على احتلال الصحراء المغربية إلى القضاء على الكيان المغربي؟ أليس هذا هو منتهى الاعتداء على المغرب؟
لقد تحمل المغرب ظلم حكام الجزائر لعقود، ولم يقم بأي رد فعل انفعالي، لأنه كان يحكم عقله، ويتقن كيفية تحويل العوائق، التي تصادفه في طريقه، إلى فرص للتنمية، حيث عمل دوما عل الانتصار دوما على ذاته بغية تأهيلها لتجاوز كل العقبات والانتصار عليها؛ فعندما يجد المغرب نفسه في أزمة، فإنه يعمل عقله من أجل فهم موضوعي للظروف التي جعلته يعيش تلك الأزمة، ومن ثمة يفهم المسار الذي أدى به إلى هذه الأزمة، ويراجع ما يتطلب الأمر مراجعته، ليتمكن من توفير الشروط الموضوعية والذاتية التي تمكنه من الانتصار على ذاته وعلى الظروف الموضوعية ، التي تقف حاجزا أمامه.
لذلك، فإن حكمة المغرب قد مكنته من التحكم في انفعالاته، كما أن قيمه جعلته يرفض القيام بأي إساءة لجيرانه، لأن الشعب المغربي والشعب الجزائري توأمان خرجا من رحم واحد، رغم اختلاف تاريخ ميلاد كل منهما.
يدعي حكام الجزائر، بدون خجل ولا وجل، أن المغرب يصدر الإرهاب إلى بلادهم. لكن كل المخابرات الدولية تدرك اليوم أن حكام الجزائر هم الذين راكموا تجربة في خلق جماعات إرهابية خلال فترة تسعينيات القرن الماضي، حيث صنعوا جماعات إرهابية وقاموا بتوظيفها ضد الشعب الجزائري، ما كان يمكنهم من التدخل بعد كل عملية إرهابية يكونون قد مسبقا مع زعامات هذه الجماعات، ليؤكدوا أن حكم العسكر ضروري للشعب الجزائري لأنه يحميهم من المجازر التي ترتكبها الجماعات الإرهابية بإيعاز من الجنرالات.
وقد شكل ذلك أكبر مؤامرة دبرها الجنرالات ضد الشعب الجزائري، الذي صار مدركا لذلك، ولن يقبل أبدا بتكراره.
أضف إلى ذلك، أن الجنرالات قد أسسوا جماعات إرهابية في الصحراء الجزائرية يوظفونها لزعزعة استقرار جيرانهم غربا وشرقا وجنوبا، حيث صار جيرانهم على وعي بذلك، كما أن المخابرات الدولية تعرف ذلك، لأنها تمتلك أقمارا اصطناعية، تمكنها من التتبع الدقيق لتحركات هذه الجماعات الإرهابية، فباتت تمتلك أشرطة حول تحركاتها تشكل إدانة لحكام الجزائر.
ويعود سبب توظيف حكام الجزائر للجماعات الإرهابية، من أجل إضعاف جيرانهم والتوسع على حسابهم، إلى تبعيتهم لحكام إيران، الذين صاروا يهيمنون عليهم فكريا، وأرادوا تحويلهم إلى “حزب الله” جديد، يأتمر بأوامرهم ويخدم مصالحهم الاستراتيجية في شمال أفريقيا وأفريقيا كذلك…
ولقد سبق للمغرب أن اكتوى بنار الإرهاب الجزائري، حيث تأكد ذلك من خلال الاعتداء الإرهابي الشنيع على فندق ” أطلس ـ أسني” بمراكش.
وهذا ما جعل بعض الخبراء يقولون بتورط المخابرات الجزائرية آنذاك في ذلك الاعتداء الشنيع.
أما المغرب، فإن العالم بأجمعه يشهد له بمكافحته للجماعات الإرهابية، حيث سبق له أن قدم خدمات لدول صديقة وقوى عظمى كانت مستهدفة من قبل جماعات إرهابية.
يدعي حكام الجزائر أن المغرب يتجسس عليهم وعلى غيرهم، والحال أن المغرب لا يمتلك نظام “بيغاسوس”. وقد نشرت صحف دولية، وعلى رأسها الـ “وشنطن بوسط” أن الجزائر ودول شرق أوسطية أخرى تمتلك هذا النظام، دون أن تشير إلى المغرب، ما يؤكد أن رغبة جنرالات الجزائر في التجسس على جيرانهم هي التي دفعتهم إلى اقتنائه، ما يعني ان المغاربة كانوا أول هدف لتجسسهم
وبعد تجنيد حكام الجزائر لبعض الصحف الدولية وبعض الجمعيات المرتزقة بالترويج لاتهام المغرب بالتجسس، نفى المغرب أن يكون وراء ذلك، وأعلن عن أنه لا يمتلك هذا النظام، كما قام في حينه برفع دعاوى في المحاكم الأوروبية ضد هاته الصحف والجمعيات، التي جندن نفسها مقابل التوصل بعمولات ثقيلة لخدمة أهداف حكام الجزائر ضد المغرب. ويمكن تفسير ذلك برغبة حكام الجزائر في التغطية على تجسسهم على جيرانهم غربا وشرقا، وشمالا وجنوبا..
ومادام المغرب قد رفع دعاوى ضد كل الجهات التي روجت هذا الافتراء عليه، فعلى حكام الجزائر ألا يكتفوا بالكلام، حيث بات الامر يتطلب منهم التقدم بقرائن ودلائل تؤكد تورط المغرب في التجسس، علما أن المغرب لن يلجا إلى المحاكم إذا كان قد قام بذلك!. وما دام حكام الجزائر يتهمون المغرب بالتجسس ، فلماذا لم يدلوا بحجج تؤكد ذلك؟. وعلى كل حال، فإن المحاكم ستكشف الحقيقة غدا، وحينها ستتم إدانة المعتدي، فهل سيخجل حكام الجزائر آنذاك؟
يدعي حكام الجزائر أن المغرب يصدر المخدرات إلى الجزائر، لكن هذه التهمة باطلة، حيث يؤكد ملاحظون جزائريون ان الجنرالات ومخابراتهم يجنون ملايير خرافية سنويا من ممارستهم لزراعة المخدرات وصناعتها، والمتاجرة فيها. ويقول ملاحظون جزائريون آخرون إن الجنرالات يشرفون على ضيعات كبيرة لزراعة القنب الهندي. وإذا كان هؤلاء يؤكدون إغلاق الحدود بينهم وبين المغرب، فلماذا هناك رواج لـ “الحشيش” في الجزائر؟ أليسوا هم من يزرعونه ويروجونه؟ وكيف يمكنهم إنكار ذلك؟…أضف إلى ذلك ان جنرالات الجزائر يستوردون “الكوكايين” من كولومبيا عبر البرازيل، حيث قامت بعض الصحف الغربية بتأكيد ذلك، كما أنه تم العثور على قنطارا عديدة من الكوكايين، والحال أن الخبراء الجزائريون في هذا المجال قد اكدوا أن كميات الكوكايين التي تم العثور عليها لا تشكل إلى %10 من الكمية المصرح بها، لأن المخابرات لا تكشف الحقيقة، لأن الجنرالات يريدون تصدير الكميات المصرح بها وغير المصرح بها معا. فماذا يقول حكام الجزائر عن هذه الوقائع الملموسة؟ ولما يقومون، كل مرة، بإقبار ملفات التحقيق في قضية” الكوكايين”؟!
وبما أن جنرالات الجنرالات يحتكرون صناعة الحبوب المهلوسة، حيث أصبحوا ينتجون %70 مما يروج منها في السوق العالمية… وهذا فإنهم قد يخربون بلدان المغرب الكبير والشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا بما يصدرونه من مخدرات إلى هذه البلدان.
تبعا لكل ذلك، فإن ادعاءات حكام الجزائر باطلة، بل إنها تنتهي دائما بالتأكد من ارتكابها من قبل حكام الجزائر! وتلك هي عادتهم، حيث تنطبق عليهم القولة المشهورة “لا يوجد أبلغ من العاهرة حين تتحدث عن الشرف!”..
ونظرا لادعاء حكام الجزائر أن المغرب يشن حملة إعلامية ضدهم، فإنني أدعوهم إلى التأمل في كل ما تنشره وسائل الإعلام التابعة لهم، ليتأكد لهم كذبهم، لأنه هذه الوسائل لا تتوقف عن شتم المغرب والافتراء عليه. كما أنه لم يعد لها أي تأثير، لأن قراءها ومشاهديها قد اكتشفوا كذبها وتضليلها، ما جعلهم يملون تحاملها المريض على المغرب، حيث إنها أصبحت محط سخرية.
خلاصة القول يفس بعض الخبراء الجزائريين افتراءات جنرالات الجزائر على المغرب بأنها راجعة إلى حقد هؤلاء على الشعب الجزائري، الذي أبدع الحراك الشعبي السلمي الحضاري، حيث لجأوا إلى خلق عدو خارجي لتصريف مشاكلهم الداخلية نحو الخارج، كما انهم فعلوا ذلك لإسكات الشعب الجزائري، الذي باتوا متأكدين أنه سينتفض ضدهم لا محالة، حيث سيتهمون كل الجهات والأشخاص المعارضة لهم بأنهما تخدم مصالح أجنبية، ما يبيح لهم تخوينها، وممارسة العنف ضدها. هكذا، فإنهم جعلوا من المغرب عدوا لهم، واتهموه بكونه يقف وراء حركة “الماك”، المطالبة باستقلال منطقة “القبايل”. كما أن هؤلاء الجنرالات قد اتهموا كل معارضيهم في الخارج بالتبعية للمغرب. لذلك، فإن هذا يستوجب طرح السؤال الآتي: فمادام الشعب الجزائري رافضا للعسكر، فلماذ لا يتهم الجنرالات هذا الشعب العظيم بتبعيته للمغرب؟