الصحافة _ وكالات
مع اقتراب موعد اجتماع مجلس الأمن لدراسة تجديد مدة انتداب قوات الأمم المتحدة المينورسو بالصحراء، تكون قضية الصحراء قد دخلت مرحلة جمود جديد يصعب التكهن بتأثيره على مستقبل المفاوضات السياسية التي انطلقت في عهد المبعوث المستقيل هورست كوهلر، الرئيس الألماني السابق الذي غادر رمال الصحراء الحارقة دون ترك خليفة ليحمل عبء البحث عن حل سياسي مفقود منذ عقود.
اجتماع مجلس الأمن أيضا يأتي في ظل متغيرات جديدة، لعل أبرزها حسب المراقبين هو الرحيل المفاجئ لجون بولتون المثير للجدل داخل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث لم يكن الرجل يخفي رغبته في فرض رؤيته للحل السياسي بالصحراء، لدرجة تأييد العودة لمشروع صديقه القديم، وزير الخارجية الأمريكي والمبعوث للصحراء بيكر، الذي كان قد طرح مشروع العودة لخيار الاستفتاء بعد خمس سنوات انتقالية، وهو ما اعتبرته الرباط حينها انقلابا على مرجعية الحل السياسي التي اعتمدها مجلس الأمن، مشروع بيكر أقبر مع رفض الرباط القاطع لأي تفاوض خارج مخرجات مفاوضات نيويورك وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وأعدم أيضا برحيل الرجل.
عودة الحديث من جديد حول آفاق الحل السياسي جاءت عقب التصعيد الذي خلفته رسالة زعيم البوليساريو الأسبوع الماضي، حيث بعث زعيم الانفصاليين برسالة عاجلة للأمين العام للأمم المتحدة، وأعضاء مجلس الأمن، منددا بقرار الرباط بناء ميناء ضخم بميزانية 1000 مليار سنتيم بالداخلة يشكل قطبا بحريا وتجاريا كبيرا مفتوحا على الصحراء ودول القارة الإفريقية إعلام البوليساريو اعتبر قرار الرباط تصعيدا خارج الحل السياسي، وهو ما أوضحه ممثل البوليساريو بنيويورك، الذي بعث برسائله لأعضاء مجلس الأمن بأن الرباط تفرض سياسة الأمر الواقع خارج أي توافقات دولية، وأنها تستغل الفراغ الذي خلفه رحيل كوهلر من أجل فرض سياستها بالصحراء.
رسالة البوليساريو لم توضح الأسباب الحقيقية لانزعاج قادتها، وأسباب تخوفهم من مشروع سيكلف المغرب الملايير على حساب حاجيات أكثر استعجالا في مناطق أخرى، في الوقت التي تعرف فيه مالية الرباط صعوبة في مواجهة إكراهات المشاريع التنموية التي دخلت فيها، ويسود اعتقاد لدى المراقبين أن مصدر انزعاج البوليساريو، وما تحكم في رسالة غالي هو تخوف هذا الأخير من أن يؤدي المشروع البحري، الذي وضع له تصور على غرار الميناء المتوسطي، إلى تعزيز الرباط لحضورها المالي والاقتصادي في المنطقة ومع عواصم لازالت تتردد في اتخاذ قرارها النهائي للقطع مع مرحلة الصراع حول الصحراء، والاعتراف بالطرح المغربي القائم على الحكم الذاتي، ووضع حد لمشكل مفتعل منذ عقود.
كما أن قيادة البوليساريو تتخوف من أن يؤدي المشروع الجديد إلى تجاوز تواجدها العسكري في الكركرات عند الحدود الموريطانية، وكانت تعتمد عليها في فرض حضورها العسكري، وغلق الحدود عندما ترغب في تصعيد التوتر في المنطقة، بل إن البوليساريو لطالما عملت على تسويق هذا التواجد العسكري ولو كان محدودا من أجل إثبات تواجدها المادي في ما تعتبره مناطق محررة خارج اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991، وربما تكون هذه ضمن الأسباب الرئيسية التي دفعت قيادة البوليساريو لتصعيد لهجتها ضد الرباط.
وتتخوف أيضا قيادة البوليساريو من أن يؤدي رحيل كوهلر وغياب بديل عملي إلى نوع من الجمود السياسي وتراجع اهتمام الدول المعنية بالصراع، في الوقت الذي فقدت فيه داعما أساسيا كانت تراهن عليه هي وحليفتها الجزائر لتعزيز موقعها ومكانتها التفاوضية في إطار الحل السياسي الذي دشنه المبعوث الأممي المستقيل. فجون بولتون لم يخف أبدا ضغطه في هذا الاتجاه ووقف وراء تقليص مدته انتداب المينورسو من سنة إلى 6 أشهر، وهو ما شكل ضغطا على الرباط ودبلوماسيتها التي وجدت نفسها أمام معارك وصراع ديبلوماسي مضاعف كلما حل تاريخ التجديد للمينورسو، بل إن بولتون المقال من قبل رئيسه هدد بمراجعة تمويل المينورسو إذا لم يتقدم الحل السياسي، وهو ما اعتبره المراقبون واعتبرته الرباط ضغطا جديدا من قبله على أعضاء مجلس الأمن، وعلى الرباط، ويدفع في اتجاه تعزيز مواقف خصومها في مفاوضات الحل السياسي، وسيكون على الرباط أن تواجه مجددا تحركات البوليساريو قبل اجتماع مجلس الأمن، ولكن الأهم والأخطر من ذلك هو منع صعود شخصية غير توافقية لمنصب المبعوث الجديد للصحراء، مبعوث يلتزم ويحافظ على رفع القرارات التي اتخذت، والتي تنطلق من رؤية الحل السياسي وليس من خارجه، وداخل إطار الحل السياسي الذي تبناه مشروع الحكم الذاتي، وإن كان ذلك لا يمنع من التفاوض حول بعض جزئياته دون المساس بإطار الحل السياسي.