الصحافة _ سعيد جعفر
إلى السيد علي العسري
المستشار عن حزب العدالة والتنمية بالغرفة الثانية
تتبعت ما كتبته في موضوع المتطوعات البلجيكيات و ما أثاره ذلك من نقاش وما استتبعه من متابعة إعلامية دولية.
وقد أثارني جدا ما خضت فيه من خلفية فكرية ضيقة وضربت صفحا عن التعليق أو الملاحظة لولا أن الموضوع أثير على أخبار قناة TV5 طبقي الإخباري الشهي، ووجدت أن ما كتبته في الموضوع لا يليق بفاعل سياسي رئيس لجنة الصداقة المغربية- الكندية و مسؤول وطني وجهوي في حزب يسير الشأن العام منحه حوالي 2 مليون من المغاربة ثقتهم.
السيد حسن العسري،
لن أكون سلطة اتهام أو نيابة عامة أشرع لنفسي حق اتهامكم، لكني سأسمح لنفسي كمثقف وكفاعل سياسي أن أكشف ضيق تفكيركم ومنطلقاتكم وعدم صواب مخرجاتكم ومراميكم.
السيد حسن المحترم،
وجدت في تدويناتكم الثلاث مفارقات غريبة جدا لا يمكن أن تشكل تفكير ومنهج فاعل سياسي يدعي الإصلاح و التمسك بوطن للجميع كما جاء في أدبيات حزبكم المحترم.
– المفارقة الاولى ترتبط بجهلكم بالنطاق القانوني لهذا النوع من الأشغال التطوعية التي يقوم بها شباب وشابات من دول أجنبية سواء في المغرب أو دولا أخرى.
– المفارقة الثانية ترتبط بجهلكم أو تجاهلكم بحدود تطبيق القوانين الوطنية والقانون الدولي العام، وحدود سريان القانون الدولي والقوانين الوطنية، و حدود سريان العرف والعادات.
– المفارقة الثالثة ترتبط بعدم نجاح غشيانكم المؤسسات الدستورية والتمثيلية في تحضر تفكيركم البدوي المغرق في ثنائيات حدية قاتلة العري مقابل العفة، و الهوية مقابل التغريب، والجسد مقابل الروح.
والمفارقة الأخيرة ترتبط بمنطق الأرض المحروقة الذي لجأت إليه بمراسلتك لوزارة الداخلية في استغلال واضح لمنصبك كمنتخب باسم الإرادة الشعبية لجر الدولة ومؤسساتها إلى مخاصمة القانون الدولي و العلاقات الدولية المحكومة بأعراف ومواثيق مصادق عليها.
وقبل أن أفصل في هذه المفارقات لا بد أن اضعك في صلب حقائق التاريخ وما استتبعته من نتائج على حظوظ المملكة.
وأنت السي حسن تتنافح وتتحاجج في إثبات دعواك حول إحتمال تضمن مثل هذه النشاطات لخلفيات أخرى مستترة غير العمل الإنساني، و كونه يؤدي إلى التغريب و الإضرار بأخلاق ساكنة تارودانت الموصوفة بالمحافظة والصلاح…
وجدت ما تقوله لا ينتمي للقرن الواحد والعشرون و يضعني في صلب نقاش كبير دار في المغرب في القرن التاسع عشر أفضى إلى واحدة من أكثر الخطط انغلاقا وهي “سياسة الاحتراز” التي اعتمدها السلطان المولى سليمان.
حكم المولى سليمان بين 1797 و1822 وأهم ما ميز حكمه هو سياسة الاحتراز في مواجهة أوربا وخصوصا الحملات التوسعية لنابليون بونابرت.
كان المولى سليمان رجلا متدينا ومشبعا بالعلوم الشرعية منذ أحاله والدة السلطان محمد الثابث على الفقيه الجائي لتعلم العلوم الشرعية ببلاد حمر، ولهذا سيقرب إليه الفقهاء و المتصوفة وشيوخ الزوايا، وسيكونون محل استشارته و فتاواه.
وعندما طرح أمامه سؤال العلاقة بالخارج هل تعاون و توازن أم جهاد و احتراز، أجابه الفقهاء و شيوخ الزوايا بما يؤمنون ويشكل كيمياءهم النفسي والذهني والعقدي، أي الاحتراز وهو عندهم الحرز من الشيطان وآفاته.
في هذا القرار الذي كان يجب أن يكون سياسيا وديبلوماسيا و يخضع لأرباح وخسارات السياسة،
كان القرار أقرب للنفسي والذهني إن لم يكن دينيا سبكه فقهاء و شيوخ زوايا بتفكير حدي محكوم بثنائيات دينية ترتبط بشبه الجزيرة العربية حيث نزل الوحي أكثر من تعبيرها عن القرن التاسع عشر وملابساته والقرون التي تلتها و شروطها.