رسالة ترامب الثانية… تأكيد أمريكي ثابت ودلالات استراتيجية متجددة

5 أغسطس 2025
رسالة ترامب الثانية… تأكيد أمريكي ثابت ودلالات استراتيجية متجددة

الصحافة _ كندا

تُعد الرسالة التي بعث بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش حدثًا سياسيًا بالغ الأهمية، لما تحمله من رمزية ودلالات في سياق إقليمي ودولي شديد التعقيد. فهي لا تندرج ضمن الأعراف البروتوكولية فحسب، بل تعكس بوضوح تجديد واشنطن لاعترافها الرسمي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، بما يُرسّخ مقترح الحكم الذاتي كخيار وحيد وواقعي لتسوية النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء.

توقيت الرسالة يُضفي عليها زخمًا إضافيًا، لكونها صادرة في بداية الولاية الثانية للرئيس الأمريكي، وبمناسبة وطنية مغربية رفيعة المقام. هذا التزامن يمنحها طابعًا استثنائيًا، ويبعث برسائل واضحة إلى المنتظم الدولي حول ثبات الموقف الأمريكي تجاه قضية الصحراء، وهو ما من شأنه إضفاء دفعة قوية للموقف المغربي داخل دوائر القرار الدولي، خاصة في مجلس الأمن.

التجديد الصريح للاعتراف الأمريكي لا يُفهم بوصفه مجرد تأكيد على قرار سابق، بل باعتباره رسالة سياسية مشحونة برؤية استراتيجية عابرة للولايات والإدارات، هدفها إغلاق هذا الملف المزمن بما يخدم مصالح واشنطن الجيوسياسية والأمنية في شمال وغرب إفريقيا. فالتقارير الأمريكية نفسها تشير إلى تنامي القلق من نشاطات البوليساريو وتنسيقها مع الجماعات المتطرفة في الساحل، ما يجعل استمرار النزاع تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة، في لحظة انسحاب دولي من بعض نقاط التماس، خاصة بعد تقهقر الحضور الفرنسي.

في هذا السياق، يبدو أن واشنطن لا تنظر إلى النزاع من زاوية قانونية جامدة، بل باعتباره عبئًا استراتيجيًا يعطّل جهودها الرامية إلى إعادة ترتيب المشهد الإفريقي، في ظل تصاعد الحضور الروسي والصيني. ومن هنا، فإن دعم مقترح الحكم الذاتي كخيار جدي وذي مصداقية، لا يهدف فقط إلى دعم الرباط، بل إلى فتح المجال أمام استقرار هيكلي دائم يسمح بتأمين المنطقة وربطها بالاستراتيجية الأمريكية الأشمل في القارة.

وبالقدر الذي حملت فيه الرسالة مضمونًا سياسيًا واضحًا، فقد تضمنت أيضًا إشادة بالعلاقات الثنائية المغربية الأمريكية، التي تشكّلت عبر سنوات من التعاون المتعدد الأبعاد، من اتفاقية التبادل الحر إلى التنسيق الأمني والتعاون العسكري. وهذه الإشادة تؤكد مرة أخرى أن واشنطن لا ترى في المغرب مجرد حليف تقليدي، بل شريكًا استراتيجيًا موثوقًا، قادرًا على المساهمة في ضبط توازنات المنطقة وبناء تحالفات فعالة في وجه التحديات العابرة للحدود.

إن القيمة الرمزية والسياسية لهذه الرسالة لا تكمن فقط في محتواها، بل في السياق الذي وُجّهت فيه، وفي ما تعنيه من حيث تثبيت المغرب كشريك دائم للولايات المتحدة في منطقة تتقاطع فيها المصالح والرهانات الدولية الكبرى. هي رسالة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن مغربية الصحراء لم تعد موضوعًا للتفاوض في نظر واشنطن، بل منطلقًا لأي تصور مستقبلي للسلام والتنمية في المنطقة.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق