بقلم: عبد المجيد مومر الزيراوي
“ليست الألقابُ هي التّي تُشرّف الرجالَ .. إنَّما الرجالُ هُمُ الذين يُشرّفون الألقابَ “. مكيافيلي
إن رفع مطلب حكومة الإنقاذ ليس تعبيرا وجدانيا عاطفيا نهتف به لصالح حزب معين أو فئة بذاتها أو كارتيلات محددة. بل إنه أمل منشود و حل موجود لحفظ المصالح العليا للأمة المغربية و ضمان حقوق المغربيات و المغاربة التي ترتبط بالعيش الحر الكريم.
فإذا صار الإقتصاد الوطني و السلم الإجتماعي مهددين بالضربة القاضية، فإن الإرادة الشعبية -غير المعبر عنها من خلال صناديق الإنتخاب- ستنتفض ضد الأساليب الرعناء التي تدار بها شؤون الحكومة، بل ستسقط الثقة في المؤسسات و الدستور. و لن ينتظر الشعب المغربي حلول الانتخابات لمحاسبة من فشل في إخراجه من حالة الإفلاس الخانق.
إذن؛ سيصبح التشدق بالاختيار الديمقراطي غير ذي جدوى مادامت مؤسساته المنتخبة غير قادرة على إنقاذ الشعب من تداعيات الكساد الإقتصادي و الشقاء الإجتماعي، و لعل هذا ما يقودنا لِتَنبيه من يهمهم الأمر إلى أن عربة الديمقراطية لا يستطيع جرها عدا حصان الاقتصاد.
لماذا ؟، بكل بساطة و تبسيط، لأن تقديم الجواب عن أسئلة الديمقراطية و الدستور يتطلب -أولا و أخيرا- رعاية غاية مجتمعية تتجسد في توفير الحاجات و الحقوق الأساسية للمواطنات و المواطنين!.
و تأملوا معي خبث دهاقنة الأحزاب السياسية المغربية حين يهرعون لقلْبِ الحقائق ، حيث بات التأويل الحزبي القاصر يهيمن على قراءة متون الدستور و إستنباط مفاهيم المصلحة العامة و الديمقراطية و الإقتصاد السياسي. كما أن الاعتبارات الحزبية الفئوية أصبحت تحظى بالأسبقية فوق الأولوية الاقتصادية و الإجتماعية. و ليس قدرنا أن نصل عند كل مرة إلى طريق مسدود لنَدفع أضعاف الثمن سياسيا و اقتصاديا.
إننا حين نرفع مطلب حكومة الإنقاذ، إنما نحن نمارس حقنا الطبيعي في الحث من أجل التنقيب على أفضل البرامج التدبيرية و الإنفتاح على الأفكار الاقتصادية الجديدة التي ستوفر حلولا حيوية لمشاكل الوطن المغربي في مرحلة ما بعد جائحة كورونا. فالانهيار الاقتصادي و الاجتماعي يشكل الخطر الذي يداهم الديمقراطية المغربية الناشئة التي تعاني من ترَهل بنيتها الحزبية التحتية.
و ها أنتم تعاينون معي إنفراطَ عقد الخطط الحكومية التي تعتبر الآلية القمينة بتحقيق مصالح المواطنات و المواطنين، و عند أصفار البرامج الحزبية تهتز الشرعية الديمقراطية و الدستورية و تعود المطالب الشعبية إلى أولوية البحث عن الفريق الحكومي القادر على إنجاز الانقاذ الاقتصادي و درء خطر الانهيار الاجتماعي.
و لأن حديث البعض عن الديمقراطية لا يعدو أن يكون أضغاث أباطيل و خليط أوهام، خصوصا حين تفتقد أحزابهم لشرعية الإنجاز المنبثقة من صميم الذود عن أولوياتنا الوطنية. و لعل هذه التوصيفات تنطبق على مكونات الأغلبية الحكومية و المعارضة داخل المؤسسة التشريعية المغربية، التي فشلت جميعها في الرقي بالنقاش المرحلي لبلوغ مقام الوفرة المعطاءة. و قد يرفض المدمنون على الاستهلاك السياسوي، فضيلة الاعتراف بأن حاجات المجتمع و الدولة ترتبط بمطلب الإنقاذ عبر توفير البرامج الحكومية الأكثر كفاءة لإدارة تداعيات الأزمة المتعددة الأبعاد و تلبية المطالب الآنية للعديد من الفئات المجتمعية.
بالتالي فإيجاد البرنامج الحكومي البديل لإنقاذ البشر و الإقتصاد، من شأنه تمكين مختلف فئات المجتمع و قطاعاته من إحتضان المبادئ الدستورية و تطوير الممارسة الديمقراطية و تجويدها على قاعدة الوعي المسؤول بالمصالح المشتركة. فلا يمكن خلق حالة من التوازن المرن و الشراكة الحقيقية بين أحزاب فاقدة للحل الإقتصادي و بين مختلف الفئات المجتمعية المهددة بالإفلاس أو البطالة أو الجوع!. أمَّا التلاعب الحزبي بمفاهيم الديمقراطية و الدستور فلا يسمن و لن يغني من جوع إذا ما تماطلنا في إيجاد سبل الإنقاذ الاقتصادي و الإجتماعي.
و على سبيل الختم ،إن جميع مبادرات التنمية و الدمقرطة و حقوق الإنسان التي تم تصميمها خلال العقدين الماضيين بدءاً من تقرير الإنصاف و المصالحة، مرورًا بتقرير الخمسينية ، و انتهاءًا بدستور 2011. أكدت على دور الأحزاب السياسية في مشاريع الإصلاح السالفة الذكر، إلاَّ أنّه إذا ما أردنا لورش الديمقراطية المغربية الناشئة أن يتطور فلابد لمكونات المنظومة الحزبية من ضرورة إحترام قيم الديمقراطية التشاركية دون تجزيئها على مقاس الأهواء، و لا بد لها كذلك من إمتلاك مفاتيح البرامج المتكاملة قصد حسن تسيير الحكومة المغربية. لأن الاختيار الديمقراطي ليس مفهوما هلاميًا ، بل إنه مفهوم ينطلق وجوبا من إلتزام أحزاب سياسية قوية و فاعلة تتنافس على تدبير الشأن العام عبر تقديم الحلول الناجعة، و تتيح لفئات المجتمع الحق في الاختيار بين الأشخاص و أيضا بين البرامج التي تخص مختلف شؤون حياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية و الثقافية.
وفي انتظار ذلك، فإن العقل السياسي مطالب – اليوم- بالتقدم باتجاه المصلحة الوطنية الملموسة، و تجاوز ضلال التأويلات الحزبية المطروحة. و المضي قدماً تحت أنوار الوعي الجديد لإنجاز وثبات نوعية من أجل الإنقاذ الشامل و إجتثاث الفساد الحزبي الذي يتدثر بغطاء الاختيار الديمقراطي، و وضع حد لريع الامتيازات، و مساواة جميع المواطنين في الحصول على حقوقهم الدستورية. مع إلزامية توسيع الإطلاع الحزبي على مفهوم الديمقراطية الذي يتصل تعريفه بحماية حقوق الأقلية و تصحيح خطابات التمييز و اللامساواة الفئوية التي تمنع الكثير من مكونات المجتمع المغربي من حقوق المواطنة الدستورية الكاملة من خلال تأويلات حزبية تقف عند أصفار أرقام صغيرة متضخمة بأيديولوجيا الحقد و الكراهية و العنصرية.
ملحوظة هامة :
بعض ضعيفات و ضعاف الهمم سارعوا إلى وصم حكومة الإنقاذ باللاَّدستورية أو حكومة ” لَمْشاوْرِيَّة “، و أنا أهمس عند أسماعهن و أسماعهم : سلامًا معشرَ ” جْلاَفْطِيَّة”!.