رحيل سيون أسيدون آخر حكماء اليسار المغربي وصوت اليهودي المقاوم للتطبيع

7 نوفمبر 2025
رحيل سيون أسيدون آخر حكماء اليسار المغربي وصوت اليهودي المقاوم للتطبيع

الصحافة _ كندا

رحيل سيون أسيدون، أحد آخر رموز اليسار المغربي المقاوم للتطبيع، لا يمثل فقط فقدان شخصية فكرية وسياسية بارزة، بل نهاية جيل آمن بأن النضال من أجل الحرية لا يتجزأ، وأن الكرامة لا تُقاس بالدين أو العرق أو الانتماء.

وُلد سيون أسيدون في 6 ماي 1948 بمدينة أكادير، وسط أسرة يهودية مغربية اختارت البقاء في الوطن، حين غادره آلاف اليهود المغاربة إلى إسرائيل وأوروبا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. نجا من زلزال أكادير سنة 1960، وانتقلت أسرته بعدها إلى الدار البيضاء، حيث درس بثانوية “ليوطي” الفرنسية، قبل أن يشد الرحال إلى باريس عام 1966 لدراسة الرياضيات. هناك، وسط أجواء الثورة الطلابية سنة 1968، تفتحت وعيه السياسي وتشرب الفكر اليساري التحرري، فعاد إلى المغرب محملاً بحلم العدالة والمساواة.

شارك أسيدون في تأسيس منظمة “23 مارس” سنة 1970، إحدى أبرز حركات اليسار الجديد في المغرب، التي طالبت بإصلاحات سياسية جذرية وبالعدالة الاجتماعية. لكن الحلم كلفه الحرية، فاعتُقل سنة 1972 بتهمة “التآمر لقلب النظام”، وقضى 12 سنة خلف القضبان، بين العزلة والتعذيب، دون أن تنكسر إرادته. خرج من السجن سنة 1984 بعفو ملكي، أكثر إيماناً بفكره، وأكثر وفاءً لقضاياه.

بعد خروجه، أسس شركة في مجال المعلوميات، لكنه ظل وفياً لالتزامه الأخلاقي والسياسي. كان من مؤسسي منظمة “ترانسبرانسي المغرب” لمحاربة الفساد، ومن أبرز الوجوه الداعمة لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل (BDS). رفض التطبيع رفضاً قاطعاً، واعتبر الصهيونية “حركة استعمارية عنصرية لا علاقة لها باليهودية”، وظل يفصل بوضوح بين اليهودية كدين، والاحتلال الإسرائيلي كجريمة.

ظل سيون أسيدون حتى أيامه الأخيرة حاضراً في المظاهرات والمسيرات الداعمة لفلسطين، بقبعته المغربية وكوفيته الفلسطينية، رمزاً للاتساق بين المبدأ والموقف، وبين الانتماء الوطني والالتزام الإنساني. كان يرى أن المقاطعة الاقتصادية والثقافية لإسرائيل “سلاح الشعوب السلمي” لتغيير موازين القوة.

رحل سيون أسيدون جسداً، لكنه ترك وراءه إرثاً من النقاء الأخلاقي والنضال الصادق، جسّد فيه معنى أن تكون مغربياً حتى النخاع، ويهودياً في العقيدة، وإنسانياً في الموقف. رجل اختصر في مسيرته فكرة أن المغرب كان وسيبقى أرض التعايش والكرامة، وأن فلسطين ستظل قضية أحرار العالم.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق