بقلم: محمد بوبكري
بعد اعتداءات الجنرالات على منطقة “القبايل” وإضرامهم للحرائق فيها، طرح بعض الناس السؤال الآتي: لماذا يحقد حكام الجزائر على منطقة “القبايل” حتى أضرموا فيها الحرائق التي استهدفت حياة الإنسان والطبيعة…؟ وجوابا على هذا السؤال، يرى بعض الملاحظين الجزائريين أن ذلك يعود إلى تشبع أهالي هذه المنطقة بقيم رفض كل أنواع الظلم والاحتقار وامتلاكهم لإرادة التصدي لها، حيث إنهم مارسوا ذلك ضد الاستعمار، وقدموا ثلاثة أرباع شهداء حرب التحرير الجزائرية، كما أنهم واجهوا حكم العسكر بعد الاستقلال، لأن رموزهم سعت إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة ذات بعد اجتماعي… ونظرا للنزعة القومجية والسلفية لـ “هواري بومدين”، الذي كان لا يقبل أي حديث عن اللغة والثقافة الأمازيغيتين، فإن أهالي “القبايل” ظلوا يطالبون بحقوقهم اللغوية والثقافية المشروعة ، لأنهم كانوا يعتبرونه جزءا لا يتجزأ من نضالهم الديمقراطي، حيث كانوا أشد اقتناعا بأنه لا يمكن إقامة أي بناء ديمقراطي في الجزائر بدون رد الاعتبار للغة والثقافة الأمازيغيتين. وما دام الجنرالات لا يقبلون برفض منطقة “القبايل” لهم ولسياساتهم القمعية والإقصائية، فإنهم كانوا دوما ضد أهالي هذه المنطقة ونزوعها الديمقراطي، حيث قاموا باغتيال رموزها، وممارسة شتى أنواع القمع والقهر على أهاليها، وتوجوا ذلك بإضرام الحرائق في هذه المنطقة من أجل إزهاق أرواح أهاليها، وتدمير الأرض التي أنجبتهم ويأكلون من ثمار أشجارها وخيراتها بغية قطع أرزاقهم وتعميق فقرهم… وتعود هذه الأحداث الأخيرة إلى أن أهالي منطقة “القبايل” يرفضون الجنرالات وكل ما يصدر عنهم من قرارات، لأنهم لا يثقون فيهم، ولا في حديثهم عن الديمقراطية، حيث قام أهالي “القبايل” بمقاطعة الاستفتاء على دستور الجنرالات، وما تفرع عنه من قوانين انتخابية… كما قاطعوا “الانتخابات الرئاسية” و”الانتخابات التشريعية”، فصار “الرئيس” و”البرلمان” مرفوضين لأنهما لا يمتلكان أية شرعية سياسية…
إضافة إلى ذلك، وبعد أن تمكن الجنرالات من منع الحراك الشعبي السلمي في مختلف المدن الجزائرية، قامت منطقة “القبايل” باحتضان هذا الحراك على أرضها، حيث تجسدت وحدة الشعب الجزائري بمختلف مكوناته، وانصهر الجميع في معركة واحدة ضد جنرالات الجزائر، ما أصاب هؤلاء بالرعب، فبادر مستشاروهم، المنتمون إلى “حزب الله” اللبناني المقيمون في الجزائر، وأفتوا عليهم القيام بإضرام النيران في منطقة “القبايل” وفي كل المناطق الجزائرية الأخرى المناهضة لهم، ما يدل على تأثر جنرالات الجزائر بالنزعة النازية لحكام إيران، حيث صاروا أتباعا لهم، فنفر العالم كله منهم، وصاروا معزولين عالميا.
لذلك، فإن الشعب الجزائري يوجد اليوم أمام خيارين، حيث عليه أن يختار بين منطقة “القبايل”، أو الجنرالات المتسلطين على الجزائر بدون أية شرعية سياسية، ما جعلهم، في نظر الشعب، يشكلون عائقا أساسا في وجه البناء الديمقراطي للجزائر، فبات الشعب الجزائري يعي أنهم يتدخلون في تزوير كل شيء، بما في ذلك تكوين مكاتب النوادي الرياضية الصغيرة، كما أن هذا الشعب صار مدركا أن الجنرالات ينهبون كل شيء، حيث أفرغوا الخزينة المركزية الجزائرية من العملة الصعبة، وهربوا ما نهبوه من أموال الشعب الجزائري إلى الخارج، حيث توجد الملاذات الضريبية، الأمر الذي أفقر الشعب الجزائري، وحال دون نمو الاقتصاد الجزائري، فنتجت عن ذلك مشاكل اجتماعية كبيرة… أضف إلى ذلك أن الفقر الفكري والقيمي لحكام الجزائر قد جعل هؤلاء الجنرالات عاجزين تطوير أي مشروع تنموي، ما أسقطهم في الفساد الذي قادهم إلى إساءة تدبير مختلف قطاعات البلاد، فنزلوا بها إلى الحضيض في كافة المجالات…
تبعا لكل ما سبق، فإن حكام الجزائر هم مصدر كل الشرور التي ضربت الجزائر، فصار مؤكدا أن ذلك سيتسبب في تفتيت الوحدة الوطنية، وضرب الوحدة الترابية الجزائرية. لذلك، ودفاعا عن الوحدة الترابية، فمن المنطقي أنه يتوجب على الشعب الجزائري وقواه الحية أن ينخرطا كليا في معركة البناء الديمقراطي، حيث ينبغي أن يبتدئ هذا البناء بالشروع في معركة تحرير الجزائر من ربقة استعمار الجنرالات، الذين قد صار مؤكدا أنهم يسيرون بالكيان الجزائري في اتجاه انهياره.
وإضافة إلى أهالي “القبايل” الذين يطالبون باستقلال منطقتهم عن الجزائر، هناك مناطق عديدة رفعت الشعار نفسه، وانخرطت في معركة تحقيقه، حيث إن كلا من مناطق “الطوارق” و”غرداية” و”ورقلة” تشكو من الإقصاء والتهميش، وانخرط أهاليها كذلك في المطالبة باستقلال مناطقهم عن الجزائر، ما يؤكد أن سياسة الجنرالات وشتى أنواع العنف والتهميش التي يمارسونها ضد الشعب الجزائري، قد صارت تشكل خطرا على الوحدة الترابية الجزائرية…
ويرى بعض الملاحظين الجزائريين أن البناء الديمقراطي هو الاختيار الوحيد لصون الوحدة الترابية الجزائرية من التفتيت، حيث يرون أن إقامة دولة المؤسسات، وفصل السلط، واستقلال القضاء … لن يفر منها أحد، لأن الشعب برمته يطالب بها، ما يعني أنها هي التي ستصون اللحمة الوطنية من أي تمزق، وستضمن تماسكها، ما سيحول دون مطالبة أي مكون من المكونات الجزائرية بالاستقلال عن الجزائر. هكذا، فإن الديمقراطية هي الضمان الوحيد للسلم السياسي والاجتماعي والثقافي، حيث ستسود المواطنة الضامنة للمساواة التي تحول دون إحساس الأفراد والجماعات بالإقصاء الذي يزعزع الاستقرار. لذلك، فإن الإقصاء هو ما يؤدي دوما إلى الدعوات الانفصالية التي تدمر الوحدة الوطنية، التي هي عماد الوحدة الترابية…