الصحافة _ وكالات
كثيرة هي التحولات الجارية، والحركية الديبلوماسية، التي يخوضها المغرب، وسط الملف الليبي، وبدا واضحا انخراطه، منذ البداية في البحث عن حلول للأزمة الليبية، قبل حتى أن تكون المؤتمرات، والاجتماعات، كما قال ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، معلقا على خلفيات مقاطعة المغرب مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا، على الرغم من توجيه وزارة الخارجية الألمانية دعوة رسمية إلى المملكة، قصد المشاركة في هذا المؤتمر.
وإصرار المغرب على تواجده في الملف، يظهر رغبته في ممارسة سياسة مغايرة عكس ما تطمح إليه الدول الكبرى، فماهي أسرار استقباله لرئيس الحكومة الليبيبة عبد الحميد دبيبة، ووفدا ليبيا رفيع المستوى يترأسه وزير المواصلات في حكومة الوحدة الوطنية، محمد سالم الشهوبي، نهاية الشهر الجاري.
رئيس الوزراء الليبي، والوفد الحكومي المرافق له سيأتي للمغرب قادما من لندن إلى الرباط للقيام بزيارة رسمية يلتقي خلالها رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، بعد مشاركته في مؤتمر برلين الثاني، وقبله الزيارة، التي يقوم بها رئيس مجلس النواب الليبي إلى المغرب، في الفترة الحالية.
ولكشف بعض من خلفيات التحرك المغربي، واستقباله مسؤولين من فرقاء الصراع الليبي، قال المحلل السياسي، تاج الدين الحسيني، في تصريح لـموقم اخباري مغربي، أن هناك فرقا شاسعا بين مؤتمر برلين، الذي تنظمه ألمانيا بمساعدة الدول الكبرى، والاجتماعات، التي ينظمها المغرب مع المسؤولين الليبيين، فربما اجتماعات برلين تهم الدول المعنية بالقضية الليبية، بينما الاجتماعات، التي ينظمها المغرب تهم بالأساس العلاقات بين الليبيين بعضهم ببعض، دون تدخل من أية جهة أجنبية.
وأبرز الحسيني أن ما يميز الموقف المغربي، الراعي لمفاوضات الفرقاء الليبيين بعضهم ببعض هو امتناعه عن إبداء أي رأي، أو تدخل في شؤونهم في أي من الاجتماعات، التي يعقدونها في المملكة، سواء على مستوى المواقف، التي ينبغي اتخاذها، أو الخلاصات، التي ينبغي التوصل إليها، وهو السر، الذي ساهم في نجاح مؤتمر الصخيرات، الذي رعاه المغرب، للتوصل إلى خارطة طريق تفصيلية، لاتزال عناصرها تطبق إلى حدود الآن، ومثال ذلك المناصب السيادية، التي تم التنصيص عليها في المادة 15 من الاتفاق، والتي ظلت سارية المفعول إلى حدود الآن، يضيف الحسيني.
وهذا التطور النسبي، يؤكد أستاذ العلاقات الدولية، أعطى للمغرب وسط مجموع أطياف النزاع الليبي نوعا من المصداقية، التي لا تتمتع بها الدول الكبرى، فهناك عدة تموجات في علاقات الحلفاء، مع بعض الأطراف دون الآخرين.
وحسب المحلل السياسي، تاج الدين الحسيني، فإن مصداقية المغرب في الملف الليبي جاءت من كونه يربط علاقات مفضلة، ومتميزة، مع كل أطراف الصراع الليبي، سواء تعلق الأمر بجناح طرابلس، أو جناح بنغازي، أو وسط بعض الأحزاب، التي تشكل بديلا على مستوى آليات اتخاذ القرار في المستقبل، وبالتالي هذا التنوع في استقطاب كل الفرقاء الليبيين منح للمغرب هذا النوع من المصداقية.
وقال الحسيني: “لازلنا نذكر هنا تصريح وزيرة الخارجية الليبية، عندما زارت المملكة، وألحت على استمرار المغرب في هذا التوجه الديبلوماسي، لأن التعاون المغربي الليبيي، سيتخذ مداه بعيدا، إلى درجة التوافق حتى على إعادة بناء اتحاد المغرب العربي، وسيجد المغرب في تمثين العلاقات مع ليبيا تحقيقا للتوازن في مواجهة الطرف الجزائري.
وشدد المحلل، تاج الدين الحسيني، على أنه لا ينبغي استباق الأحداث، والقول إن الأمور ستسير في الاتجاه نفسه ما تنظر إليه الديبلوماسية المغربية بالأساس، لوجود ما وصفه بـ”عدة تجاذبات تهم دولا كبرى عالمية، وعلى رأسها تركيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، التي دخلت على الملف الليبي بقوة في مؤتمر برلين، وحضره وزير الخارجية الأمريكي، الذي أعطى توجهات جديدة للتخلص مما تبقى في ليبيا من مرتزقة، ومجموعات عسكرية، سواء ما تعلق بمن تضمنهم تركيا، أو روسيا، واعتبر خروجهم من الأراضي الليبية أمرا أساسيا، في المرحلة الراهنة لضمان عملية الاستمرار في إعداد وتنظيم الانتخابات، التي حدد تاريخ تنظيمها مع نهاية السنة الجارية.
وأوضح الحسيني، في تحليله، أنه إذا استطاعت الحكومة الليبية الحالية أن تضمن استمرارها في نسج علاقات متوازنة، مع الأطراف الكبرى ربما ستستطيع النجاح للوصول بسفينة دبيبة إلى بر السلام، الذي هو تاريخ إجراء الانتخابات.
وإذا ما جاءت الانتخابات بمجموعات متناغمة، لتشكل حكومة المستقبل، آنذاك، نستطيع أن نقول، يضيف الحسيني، بأن ليبيا استطاعت أن تتجاوز المرحلة الخطيرة وعنق الزجاجة، نحو إمكانية بناء دولة قوية تتجاوز ما كان يقال عنها قبل بضعة أشهر إنها دخلت مصاف الدول الفاشلة.
ومن ثمة، فإن مسألة خروج القوات الأجنبية، بات أمرا ملحا، يشدد الحسيني، كما أن اندماج الجنرال حفتر، وجموعه العسكرية في الجيش الوطني الليبي، هو أيضا أمر أساسي، حتى يكون الرئيس الليبي، هو القائد الفعلي لكل القوات العسكرية الموجودة في ليبيا، ساعتها إن تحقق هذا، وهذا ما يريده المغرب، فمن شأنه أن يمنح ليبيا صورة تختلف عما يقع في الجزائر، حيث تسيطر الطغمة العسكرية على كل شيء، وهذا، أيضا، من شأنه أن يسمح لليبيين أن يعبروا عن أنفسهم، وطموحاتهم، وهم ذاهبون في بناء أوثق العلاقات مع المغرب.
وبالنسبة إلى الباحث الحسيني، فإن عودة ليبيا إلى الساحة المغاربية، والعربية، أن يمنح للمغرب إمكانية الانخراط في بناء مغرب عربي جديد قوي، ومتماسك، ومزيد من الدفاع عن الوحدة المغاربية، واعتبارها هي الأفق الاستراتيجي لكل اندماج يطمح المغرب إلى تحقيقه في المنطقة.
المصدر: اليوم 24