بقلم: جمال اسطيفي*
ما أن أنهيت قراءة الحوار الذي أدلى به ادريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، للزملاء في “أخبار اليوم”، والذي قال فيه إن وزير العدل ليس وزيرا للاتحاد الاشتراكي وأنه وزير للوطن في الحكومة، في إطار تداعيات مشروع قانون الكمامة 22.20، التي تحولت إلى كرة تتقاذفها مكونات الحكومة، حتى قفز إلى ذهني خطاب الملك محمد السادس في الذكرى 18 لتوليه العرش، عندما انتقد بشكل غير مسبوق الطبقة السياسية، وهاجم الأحزاب التي لا تقوم بدورها والعقليات التي لم تتغير وليست لها القدرة على التنفيذ والإبداع، ثم عندما قال: “إن التطور السياسي والتنموي، الذي يعرفه المغرب، لم ينعكس بالإيجاب، على تعامل الأحزاب والمسؤولين…فعندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للاستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه”..
أكثر من ذلك، لقد قال محمد السادس في الخطاب نفسه، إن على كل مسؤول أن يمارس صلاحياته دون انتظار الإذن من أحد. وعوض أن يبرر عجزه بترديد أسطوانة “يمنعونني من القيام بعملي”، فالأجدر به أن يقدم استقالته، التي لا يمنعه منها أحد”..
في الخطاب نفسه ألح محمد السادس، على ضرورة التفعيل الكامل والسليم للدستور مؤكدا أن الأمر يتعلق بمسؤولية جماعية تهم كل الفاعلين، حكومة وبرلمانا، وأحزابا، وكافة المؤسسات..
لنحاول في هذا السياق أن نقوم بعملية إسقاط للخطاب الملكي، على ما حدث في واقعة مشروع قانون الكمامة 22.20، منذ لحظة عرضه والمصادقة عليه بتحفظ في أشغال المجلس الحكومي ل19 مارس، إلى ما أعقبه من تسريب لمحتوياته، وما رافق ذلك من احتجاج شعبي في مواقع التواصل الاجتماعي، ثم تنصل لمكونات الحكومة من مسؤولياتها، مع عجز كامل سواء لوزارة العدل، أو لرئاسة الحكومة في الدفاع عن مشروع قانون تمت المصادقة عليه، ولم يتم إلا تسجيل تحفظات عليه، أحيلت على لجنة تقنية ووزارية…
لقد قال لشكر في حواره “إن من الطبيعي جدا ألا أطلع على مشروع القانون لأن هذا الأمر يهم الدولة والحكومة، ووزير العدل ليس وزير الاتحاد الاشتراكي، إنما هو وزير الوطن برمته في الحكومة، وفي بعض الدول فإنه بعد تعيين الشخص في المسؤولية الحكومية يجمد نشاطه الحزبي، لأنه تصبح له مسؤولية الوطن، ولهذا فعندما أقول إننا لم نطلع عليه، فإنني لا أقول ذلك من موقع احتجاجي”..
في الواقع إننا إزاء عبث سياسي، وإزاء عدم فهم مقصود للعمل السياسي ودور الأحزاب ودور الحكومة، وإزاء تخبط وتيهان، وإزاء نموذج صارخ لسياسيين دفعوا الملك إلى أن يقول في خطابه:”إذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟”..
إن محمد بنعبد القادر يا سيد لشكر عين وزيرا للعدل بقبعة الاتحاد الاشتراكي، وليس بقبعة الوطن، وهو بهذه الصفة لابد أن يدافع عن مبادئ حزبه، وعن قناعاته، وإذا رأى أن هناك ما يتعارض مع ذلك، فإنه يجب أن يعود لقيادة حزبه، لا أن يتقدم بمشروع قانون يقيد حرية التعبير ويغلق أفواه الناس ويرهن الوطن ويرهن الشعب..
أما حرص لشكر على الإشارة إلى أن مشروع القانون يهم الدولة والحكومة، ولا يهم الحزب، فإنه تجسيد حي لالتباس طبقة سياسية ومسؤولين قال الملك إنهم يتصدرون المشهد في الإيجابيات، ويخبتؤون خلف القصر في الإخفاقات..
قانون الكمامة مشروع حكومي، وليس شيئا آخر، وهكذا يجب التعامل معه، أما الإيحاء بأنه له امتدادات فذلك من قبيل خلط الأوراق الذي ما عاد مقبولا..
ولأن الشيء بالشيء يذكر، ألا يمكن إدارج بلاغ حزب العدالة والتنمية بخصوص هذا الموضوع في سياق المزايدات، خصوصا عندما يقول بأن أي تشريع في هذا المجال “يجب أن يراعي ضمان ممارسة الحقوق والحريات الأساسية، في نطاق المسؤولية، ومن ضمنها حرية الفكر والرأي والتعبير بكل أشكالها، ورفضها لأي مقتضيات تشريعية تتعارض مع ممارسة هذه الحريات المقررة والمكفولة دستوريا”.
أليس هذا الحزب هو من يقود الحكومة، أو ليس أمينه العام هو رئيسها، أليس المجلس الحكومي الذي يقوده سعد الدين العثماني هو الذي وافق على هذا المشروع وإن بتحفظ..
ما الذي منع العثماني من أن يمارس صلاحياته الدستورية وأن يجهض هذا المشروع في المهد، خصوصا أن الدستور يعطي الحق فقط لرئيس الحكومة وللبرلمان بتقديم مشاريع القوانين..!؟
ألا يوحي بلاغ البي جي دي، أن هناك جهة أخرى خارج الحكومة هي التي فرضت مشروع القانون المشؤوم هذا..!؟
ما الذي يمنع العثماني بصفته الحكومية، في أن يضمن حرية الفكر والرأي والتعبير!؟
ألم يدع الملك كل مسؤول لا يمارس صلاحياته أو يروج أن هناك من يمنعه من القيام بعمله إلى تقديم استقالته، وأن لا أحد سيمنعه من ذلك..؟
متى ينتهي هذا العبث السياسي، ومتى ينتهي هذا الهدر للزمن، ومتى ينتهي هذا التلاعب بمستقبل وآمال وأحلام شعب مل من ترديد نفس الأسطوانات ونفس المبررات ومتابعة نفس المسرحية السخيفة منذ سنوات…
*جمال اسطيفي: صحافي بجريدة المساء.