بقلم: كريم مولاي
أحيى غالبية الشعب الجزائري اليوم الذكرى السنوية الأولى لانطلاق حراكه السلمي من أجل الانتقال الديمقراطي، مسجلا بذلك إنجازا حضاريا مهما، بتعطيل العهدة الخامسة للرئيس الميت عبد العزيز بوتفليقة، ثم بسلمية قل نظيرها في منطقتنا العربية والإفريقية على الرغم من محاولة العصابة استدراج قادة الحراك بالضرب والاعتقال والتعذيب والقضاء الظالم.
عندما انطلق الحراك الشعبي في الجزائر في فبراير من العام الماضي، بعد ثمانية أعوام كاملة على انطلاق شرارة الربيع العربي من تونس، لم يكن أحد يتوقع أن جيل الشباب الذي ترعرع في جزائر ما بعد العشرية الحمراء يمكنه أن يستمر طيلة هذه الفترة، وأنه بإمكانه أن يسقط العصابة الحاكمة ويلقي بجزء منها في غياهب السجون، في انتظار أن يكتمل مشروع هدم الاستبداد وتمكين الشعب الجزائري من أن يقرر مصيره.
لا شك أن مياه كثيرة جرت في طريق التغيير السياسي، لعل أولها سقوط جدار الخوف إلى غير رجعة، وتشكل وعي سياسي جديد يأخذ بعين الاعتبار التطورات المحلية والإقليمية بعين الاعتبار، ويرى بأن الشعب الجزائري ليس أقل شأنا من بقية الشعوب العربية، التي نالت حريتها وأسقطت الأصنام العسكرية والسياسية واحدا واحدا..
يعلم الجزائريون، وهم المختبر الأول لمشاريع الحرية التي تم الانقلاب عليها مطلع العام 1992، أن السلمية هي السلاح الأمضى لنيل المطالب، إذا اقترنت بإرادة سياسية مدركة لألاعيب جنرالات العسكر وقدراتهم الفائقة على الالتفاف على مطالب التغيير الحقيقي.. ولقد ساعدهم في ذلك ليس فقط الإرث النضالي الكبير الذي قدمه الجزائريون من أجل الديمقراطية في تسعينيات القرن الماضي، وما أنجزه العرب في دول الربيع من تحولات ديمقراطية مازالت تتأرجح وتقاوم معاول الردة، لكنها مع ذلك تتقدم باتجاه واقع سياسي جديد يعيد للشعوب مكانها في الفعل الحضاري.
وعلى خلاف ما حاولت العصابة الترويج له، سواء في محاولتها قسمة الجزائريين بين عرب وقبائل وداخل وخارج ووطنيين وعملاء، فإن الشعب الجزائري أبان عن فطنة سياسية نادرة، وفوت على من تبقى من قادة الاستبداد مبررات استئصال روح التغيير والأمل التي انبعثت من ركام الموت الذي خلفته سنوات الجمر في تسعينات القرن الماضي..
لم يعد بإمكان المستبدين أن يستفردوا بشعوبهم بعد أن استعصى عليهم التحكم في وسائل التواصل، التي فاقت في فتوحاتها كل التوقعات، فعمدوا إلى إبداع وسائل التفافية جديدة، سواء من خلال انتخابات مفبركة، ورئيس مشوه ينتمي إلى ذات المنظومة، بل إنهم وفي عملية سطو مفضوحة، اتخذوا من تاريخ انطلاق الحراك يوما وطنيا، ظنّا منهم أن الجزائريين أغبياء يمكن أن تنطلي عليهم هذه الحيل.
لا أخفيكم، يا أهل بلدي الأحرار، سرا، أن الظمأ للحياة عاودني مجددا، بعد هذه السنوات العجاف من المنفى الاختياري الذي لجأت إليه منذ سنوات.. كنت على يقين عندما اتخذت قرار المنفى وكشف إجرام العصابة الحاكمة، أن جوهر الشعب الجزائري تقي ولا يقبل بالذل، وأن يوم ثورته السلمية لن يطول..
واليوم يتجدد هذا الحلم بالحرية وبامكانية معانقة نسائم الأوطان مع هذه الملايين الهادرة بالحرية وبالدولة والمدنية.. ولا غرابة في ذلك فبلاد الأحرار لا تنجب إلا أحرارا حتى وإن طال زمن الاستبداد..