الصحافة _ وكالات
في الوقت الذي كان يتحدث فيه الجميع عن أن الفائز في الانتخابات الرئاسية التونسية لن يخرج بين الثلاثي؛ مرشح حركة “النهضة”، عبد الفتاح مورو، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، أو وزير دفاعه المستقيل عبد الكريم الزبيدي، جاء المرشح المستقل قيس سعيد من بعيد ليقلب الطاولة رأساً على عقب، محدثاً مفاجأة من العيار الثقيل لم يتوقعها أشد المتفائلين.
قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري، لم يكتفِ بعبوره إلى جولة الإعادة في “رئاسيات تونس فحسب؛ بل حقق انتصاراً كاسحاً ليصبح حاكم “قصر قرطاج” الجديد، خلفاً للراجل الباجي قايد السبسي، بحسب نتائج أولية غير رسمية.
وكان مقرراً إقامة انتخابات الرئاسة في 17 نوفمبر المقبل، لكن وفاة السبسي، أواخر يوليو المنصرم، دفعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في البلاد لتقديم موعدها وفقاً للدستور الذي ينص على أن يكون لتونس رئيس جديد في غضون ثلاثة أشهر.
مفاجأة مدوية
ومثلما كانت التوقعات؛ ذهبت الانتخابات الرئاسية التونسية إلى جولة إعادة في ظل صعوبة حصول أي مرشح على أكثر من 50% من أصوات الناخبين، وعزوف نسبة كبيرة ممن يحق لهم التصويت في الاستحقاق الانتخابي.
وفي مشهد وصفه مراقبون بـ”الزلزال السياسي” و”السقوط المدوي” للأحزاب التقليدية، تأهل المرشحَين؛ قيس سعيد (61 عاماً)، ونبيل القروي (56 عاماً)، إلى الدور الثاني، وغاب الثلاثي الذي كان يبدو -على الورق- “الأوفر حظاً”، وهنا يدور الحديث حول مورو والشاهد والزبيدي.
وبحسب وكالة “أمرود” لسبر الآراء، فقد نال قيس سعيد (61 عاماً) حصد ما نسبته 72.53% من أصوات الناخبين في جولة الإعادة الرئاسية، مقابل 27.47% لمنافسه نبيل القروي رجل الأعمال، في ثاني انتخابات رئاسية بعد ثورة “الياسمين”، التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، (يناير 2011).
من هو “قيس سعيد”؟
“مؤيد للثورة، ويرفض التطبيع مع “إسرائيل” كلياً، ويُعارض المساواة في الميراث، ولا يعترف بما يسمى بالدولة المدنية أو الدينية، كما أنه لم يبحث عن تحالفات مع الأحزاب”، كل هذا ينطبق على قيس سعيد، الذي بات على أبواب “قصر قرطاج”.
وفي المناظرة التلفزيونية “التاريخية”، التي سبقت الانتخابات الرئاسية بيومين، رفض “سعيد” كلمة التطبيع مع “إسرائيل”، ووصف ذلك بأنه “خيانة عُظمى”.
وسعيد هو أستاذ قانون دستوري متقاعد، وبرز نجمه بشكل خاص بعد ثورة 2011 في المنابر الإعلامية لفصاحته في اللغة العربية.
بدأ حياته المهنية كمدرس بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بسوسة، عام 1986، ثم انتقل للتدريس بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس العاصمة عام 1999، كما شغل منصب مدير قسم القانون العام بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بسوسة؛ في الفترة ما بين عامي 1994 و1999.
اضطلع قيس سعيد بخطط مقرر اللجنتين الخاصتين لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية لإعداد مشروع تعديل ميثاق الجامعة، ولإعداد مشروع النظام الأساسي لمحكمة العدل العربية، عامي 1989 و1990، وخبير متعاون مع المعهد العربي لحقوق الإنسان، بين عامي 1993 و1995.
وشغل سعيد كاتب عام، ثم نائب رئيس الجمعية التونسية للقانون الدستوري، في الفترة الممتدة ما بين عامي 1990 و1995.
كما أنه عضو بالمجلس العلمي ومجلس إدارة الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري منذ عام 1997، وكذلك رئيس مركز تونس للقانون الدستوري من أجل الديمقراطية.
وله عدد من الأعمال العلمية في مجالات القانون والقانون الدستوري خاصة، وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء.
أبرز مواقفه
عقب إعلانه ترشحه لرئاسيات تونس شدد سعيد على أنه لن يتحالف مع أي حزب أو جهة سياسية، موضحاً أنه سيحافظ على استقلاليته.
وشدد على أن هدفه يكمن بتعبيد الطريق أمام الشباب لتسلم السلطة، ورأى أن الاستعمار لا يتسلل للدول العربية عبر الحدود؛ بل “عبر عملائه بالداخل”، مؤكداً أن قضايا الدين والهوية التي زرعت داخل الدول الثائرة هي لتشتيت أبناء الوطن الواحد”.
قيس سعيد يعد من أبرز المؤيدين للمصالحة “مع الشعب”، وليس بين الأطراف السياسية، على حد قوله، معتبراً أن المصالحة بشكلها الأخير تعتبر “بحثاً عن دعم مالي مشبوه”.
وفي موقف متقدم على حركة النهضة ذي التوجه الإسلامي فيما يتعلق بقانون “المساواة في الميراث” قال سعيد إن الأمر بالنسبة له “محسوم بالنص القرآني”، وذلك خلافاً لموقف الرئيس الراحل السبسي، الذي كان أبرز المؤيدين لإقرار القانون المثير للجدل في بلد أغلبيته الساحقة من المسلمين.
أما فيما يتعلق بسياسته الخارجية فيرى أستاذ القانون الدستوري أنها ترتكز على امتداد تونس في محيطها الطبيعي مع الدول العربية وأوروبا؛ أي دول شمال البحر المتوسط، مشيراً إلى ضرورة بناء علاقات جديدة قائمة على “الاحترام المتبادل وتعايش بين الشعوب”.
وحول إتقانه اللغة العربية الفصحى قال إن بينه وبينها “قصة عشق طويلة، بدأت منذ السنوات الدراسية الابتدائية، رغم أنه درس باللغة الفرنسية ويدرس بها في الجامعة”، مشيراً إلى أنه “يعتز كثيراً بلغة الضاد؛ فلها سحر ووقع في الأذن لا تجده في اللغات الأخرى”.