الصحافة _ كندا
تترقب الأوساط الدبلوماسية بين الرباط وباريس زيارة دولة مرتقبة للعاهل المغربي الملك محمد السادس إلى فرنسا، خلال نهاية عام 2025 أو مطلع 2026، بحسب ما أوردته مجلة “جون أفريك” الفرنسية، نقلاً عن مصادر دبلوماسية مطلعة. زيارة تعيد ترتيب أوراق العلاقة بين الضفتين، وتؤشر على نهاية واحدة من أطول الأزمات التي عرفتها العلاقات المغربية الفرنسية منذ الاستقلال.
وبعيدا عن الطابع البروتوكولي، تكتسي هذه الزيارة المنتظرة بعدًا استراتيجيا، باعتبارها تتويجًا لمسار طويل من التهدئة والتقارب، أعقب سنوات من التجاذبات الحادة والجمود السياسي، في مرحلة وُصفت بأنها الأخطر في تاريخ العلاقات الثنائية، خاصة على مستوى النخب والمؤسسات.
ووفق المعطيات المنشورة، فإن الانفراج في العلاقات لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة تحولات عميقة في مواقف باريس، كان أبرزها إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون، في 30 يوليوز 2024، دعمه الصريح لمبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها “الأساس الجاد والوحيد” لحل نزاع الصحراء، وهي صياغة كانت الرباط تنتظرها منذ سنوات، واعتبرتها شرطًا جوهريًا لاستئناف العلاقات في مستواها الكامل.
هذا الموقف الفرنسي جاء على غرار ما عبرت عنه واشنطن ومدريد، غير أنه تأخر كثيرًا، بفعل تردد باريس في إثارة حفيظة الجزائر، ما أدى إلى أزمة ثقة غير مسبوقة مع المغرب، الذي أعاد رسم أولويات تحالفاته الاستراتيجية بعيدًا عن المركزية الفرنسية، منفتحًا على واشنطن، الصين، إسرائيل، وأفريقيا جنوب الصحراء.
الزيارة المنتظرة للعاهل المغربي إلى باريس ستكون اختبارًا مزدوجًا: من جهة، ستكرّس تطبيع العلاقات بين البلدين، ومن جهة أخرى، ستقيس صدق التحول الفرنسي تجاه الرباط. كما تأتي في لحظة فارقة تعرف فيها فرنسا تراجعًا مقلقًا لنفوذها في القارة الأفريقية، وتبحث فيها عن تعزيز حضورها الدبلوماسي في مناطق تشهد تحولات جيوسياسية كبرى، خصوصا الساحل وحوض المتوسط.
وفي السياق ذاته، تشير المجلة إلى أن رموز الانفراج بدأت تظهر تباعًا، من خلال تحركات دبلوماسية مكثفة، واجتماعات ثنائية متسارعة، وزيارات متبادلة، منها المرتقبة لوزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت إلى باريس، وانعقاد اللجنة العليا المشتركة خلال الخريف المقبل.
غير أن “جون أفريك” تنبه إلى أن هذا المسار التصالحي لم يُطفئ بعد كل نيران الأزمة، فثمة تردد داخل بعض الدوائر الفرنسية – خاصة اليسارية والثقافية – في طي الصفحة، بالنظر إلى ما خلفته القطيعة من جراح مؤسساتية وشعور بالهامشية لدى بعض الفاعلين الفرنسيين.
وتختم المجلة تقريرها بالتأكيد على أن زيارة الملك محمد السادس، إذا ما تم تأكيدها رسميًا، ستكون لحظة سياسية حاسمة، يتوقف عليها مستقبل العلاقات الثنائية، وتوازنات إقليمية أوسع، في زمن تتغير فيه التحالفات، وتتم إعادة رسم خرائط النفوذ بين جنوب المتوسط وشماله.