الصحافة _ كندا
تمكّن المغرب خلال السنوات الست الأخيرة من تعبئة ما يفوق 125 مليار درهم عبر آلية “التمويلات المبتكرة”، التي تقوم على تحويل ملكية أصول عمومية—بينها مستشفيات ومقار مؤسسات استراتيجية—ثم استئجارها بعقود طويلة الأمد قبل استرجاعها لاحقاً. ورغم مساهمتها في توفير سيولة مهمة وتقليص حاجيات الاقتراض، فقد أعادت هذه الآلية إشعال النقاش السياسي حول حدود تدخل الدولة في القطاعات الاجتماعية.
بدأ العمل بهذا النموذج منذ 2019، إذ تحصل الدولة على مبالغ فورية مقابل نقل ملكية الأصول، ثم تبرم عقود تأجير تمويلي قد تمتد لـ30 سنة بنسبة فائدة تقارب 6%. وتشير معطيات إلى أن العمليات شملت مستشفيات جامعية ومنشآت حكومية تابعة لقطاعات حيوية، ما أثار مخاوف المعارضة بشأن تأثير ذلك على الخدمات العمومية.
الحكومة، عبر الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، دافعت بقوة عن هذه المقاربة، معتبرة أنها “تثمين للأصول وليس بيعاً لها”، وأن الهدف هو إعادة ضخ قيمتها في مشاريع جديدة. غير أن المعارضة تظل مقتنعة بأن الأمر يمثّل “خصخصة في ثوب مالي”، خاصة حين يتعلق الأمر بقطاعات حساسة كتدبير الصحة والتعليم.
تحذيرات المؤسسات المالية لم تتأخر. فقد اعتبرت “فيتش” أن هذه الآليات يجب أن تبقى استثنائية، محذّرة من الاعتماد المفرط عليها لما له من أثر على مصداقية السياسة المالية. وفي المقابل، يرى الخبراء أن تحسن الإيرادات الضريبية سيقود تدريجياً إلى تقليص اللجوء لهذه العمليات بين 2025 و2027.
وقد جاء توسع استخدام التمويلات المبتكرة في سياق ارتفاع ضخم في الاستثمارات العمومية المرتبطة بالتحضير لكأس العالم 2030، مقابل ارتفاع واضح في الإيرادات الضريبية التي بلغت 280 مليار درهم خلال عشرة أشهر فقط.
رغم أن كلفة الإيجارات السنوية وصلت إلى 7 مليارات درهم، فإن العائدات المتحصلة من هذه العمليات تجاوزت 18.8 مليار درهم إلى نهاية أكتوبر، وساهمت في خفض العجز المتوقع إلى حدود 3% سنة 2026.
الحكومة تراهن على الدينامية الضريبية للتخلي تدريجياً عن هذه الآلية، إذ يتوقع لقجع أن تصبح “في حكم المنتهية” اعتباراً من 2027. غير أن الجدل السياسي حولها سيستمر طويلاً، طالما ظلت تمسّ منشآت حيوية يعتبرها المواطنون جزءاً من الملك العام غير القابل للمساس.














