الصحافة _ وكالات
تبدي الأوساط المغربية انزعاجاً من تجاهل الإدارة الأمريكية للمغرب، منذ دخول الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض، في وقت تؤكد هذه الأوساط أن الرباط تتحاشى أي اصطدام مع واشنطن ترامب، خصوصاً أن أبرز مستشاريه يكن عداء واضحاً للمغرب، خاصة ما يتعلق بقضية الصحراء والنزاع مع جبهة البوليساريو وما يعرف مغربياً بقضية الوحدة الترابية أو القضية الوطنية.
وتستند الأوساط المغربية في انزعاجها من شغور منصب السفير الأمريكي لدى المغرب منذ 2017 واقتصار الاتصال بين القصر الملكي في الرباط والبيت الأبيض في واشنطن على برقيات التهاني في المناسبات الوطنية أو الدفع بالمغرب نحو المشاركة بصفقة القرن وتفرعاتها، الذي تمثل بزيارة جاريد كوشنير، صهر الرئيس ترامب، والمكلف بالصفقة للمغرب وقبيل مؤتمر البحرين الاقتصادي في أيار/ مايو الماضي، حيث التقى العاهل المغربي الملك محمد السادس، وفي الزيارة الثانية لكوشنر، في تموز/ يوليو الماضي، لم يلتق رسمياً أي مسؤول مغربي معني بملف الصفقة، واقتصر نشاطه الرسمي على الاجتماع بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، ووزير الخارجية العماني يوسف العلوي، وعقدت الاجتماعات في الرباط، فيما كان المعنيون المغاربة في طنجة.
ومشاركة المغرب في صفقة القرن ضرورة للإدارة الأمريكية، فالملك المغربي يترأس لجنة القدس الإسلامية، وأهم القرارات العربية المتعلقة بالقضية الفلسطينية اتخذت في قمم عربية عقدت بالمغرب، إضافة إلى مكانة المغرب الإقليمية في العلاقات الدولية.
ولذلك أيضاً يحرص المغرب على عدم الانغماس والحماسة لصفقة القرن دون التصادم مع الإدارة الأمريكية، واكتفى في البحرين بالمشاركة على مستوى موظف في وزارة المالية، لأنه يدرك أن أي تصادم مع واشنطن سينعكس فوراً على قضية الصحراء التي ما زالت بعهدة جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي، الذي يرتبط بعلاقة متينة مع إسرائيل، ويعتبر أحد أبرز المنظرين والمخططين لصفقة القرن.
ويتبنى جون بولتون موقفاً مناهضاً للمغرب في قضية الصحراء وقريباً من مقاربة جبهة البوليساريو منذ أن كان مساعداً لوزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، إبان توليه مهمة الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء والذي صاغ أخطر قرارات مجلس الأمن الدولي ضد المغرب، خاصة 2003 الذي كان النص المقترح إجراء استفتاء للصحراويين بغض النظر عن مواقف الأطراف. وواصل إزعاجه للمغرب حين شغل منصب ممثل الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وكان أول من أدخل على مشاريع قرارات مجلس الأمن مقترح توسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة المنتشرة في الصحراء (مينورسيو) لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في المنطقة والتقرير بها لمجلس الأمن.
في ظل هذه الأجواء، ما زالت السفارة الأمريكية بالرباط من دون سفير، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يعين سفيراً إلا بعد مرور أخذ من سنة على انتخابه، وحتى الآن ما زال تنفيذ القرار ينتظر تزكية أعضاء الكونغرس الأمريكي. واختار الرئيس ترامب، كما هي عادة رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص سفرائهم، رجل الأعمال دفيد تي فيشر، الرئيس التنفيذي لشركة مجموعة «سوبربان» لبيع السيارات وهو أحد رجال المال والأعمال الذين يعتمد عليهم الرئيس الأمريكي ويحيطهم بنفسه، ويعتبر من مشاهير أغنياء الولايات المتحدة الأمريكية، وتختص شركته في بيع وتأجير السيارات بكل من ولايات فلوريدا وكاليفونيا وميتشيغن. وإلى جانب كون فيشر يعد من أكبر المساهمين الماليين في لجنة تنصيب ترامب، إذ منحها مبلغ 250 ألف دولار، فإنه ينشط في مجال الأعمال الخيرية ويعد عضواً في مجالس إدارة العديد من الجمعيات والمؤسسات الأكاديمية والثقافية والاجتماعية. كما أنه كان عضواً في لجنة الحيازة القضائية في ديترويت منذ عام 2012.
ويتوقف المغاربة أمام إسراع إدارة ترامب تعيين سفيرها بالجزائر، في وقت ما زال سفيرها بالرباط ينتظر مصادقة الكونغرس، وإلى أن يتم ذلك ووصول فيشر للرباط تم الأسبوع الماضي تعيين ديفيد غرين كقائم بأعمال السفارة الأمريكية الذي استهل تواصله مع المغاربة عبر مقطع مصور نشرته صفحة السفارة الأمريكية في الرباط على صفحتها بموقع «فيسبوك» يبارك فيه للمغاربة بمناسبة عيد الأضحى بلغة عربية فصيحة، «ما من مناسبة أجمل للقاء الشعب المغربي الشقيق من غير عيد الأضحى»، مضيفاً: «أنا القائم بالأعمال الجديد في سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في الرباط، دعوني أعبر لكم عن مدى سعادتي للعودة إلى المغرب، لقد اشتغلت في الرباط منذ أربع سنوات وقضيت هنا أوقاتاً جداً رائعة مع أسرتي».
ويرى أستاذ العلاقات الدولية المغربي، تاج الدين الحسيني، أن تأخر تزكية السفير يعبر عن الصعوبات التي يعيشها الرئيس ترامب داخلياً، إذ لا يكاد يخرج من أزمة حتى يقع في أخرى، واستحواذ الملفات الكبرى على هامش كبير من مساحة الملفات الصغرى، على رأس ذلك ما أثاره المحقق الخاص حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، من فتح إمكانية الإقصاء من الحكم بالنسبة لترامب، وحرص الديمقراطيين على تجميع أصوات تحصيل هذه النتيجة، فضلاً عن ملف الأسلحة الذي طرح إشكالاً بين المجلسين حول تقييد حصول المواطنين عليها عقب ارتفاع نسبة الجريمة المرتبطة بها.
ونقل موقع «العمق» عن الحسيني أنه رغم غياب كل تلك المعطيات ونتائجها، فالمغرب لا يحسب على الدول التي يستعجل تعيين سفير فيها كروسيا أو الصين أو باقي الدول المنافسة، والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين تتجاوز سقف السفراء إلى مستوى التواصل المباشر بين قائدي البلدين، مدللاً على ذلك بكون الدبلوماسية الملكية تجاوزت إطار الوسطاء إلى التبادل المباشر للرسائل كرسالة الملك شديدة اللهجة عقب قرار نقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس المحتلة ورسالة زيارة بابا الفاتيكان الأخيرة.