تفاصيل الصعقة الكهربائية لدستور 2011 في تعيين أعضاء مجلس الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء

22 أغسطس 2020
تفاصيل الصعقة الكهربائية لدستور 2011 في تعيين أعضاء مجلس الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء

بقلم: بنيونس المرزوقي*

بعيدا عن النقاش الساخن الذي يعقب كل ممارسة يكون لها صدى لدى الرأي العام، أود الرجوع إلى أحد المواضيع التي يلزمها المزيد من النقاش العمومي والمؤسساتي. ويتعلق الأمر بضرورة توضيح طرق ممارسة الصلاحيات من قبل كل الفاعلين، وخاصة في الجوانب الإدارية والسياسية.

وهكذا، واستنادا على الصبغة التشاركية في ممارسة الملك لصلاحياته الدستورية (ثانيا)، سأحلل التوجهينالرئيسيين لممارسة الصلاحيات مع القيام بالمفاضلة بينهما (أولا)، لأخلص إلى الديمقراطية التشاركية كأسلوب لممارسة الصلاحيات (ثالثا)، ولأقف أخيرا عند هذا التناقض في الممارسة بين دستور مُتقدم وممارسات بالية (رابعا).

أولا: توجهان لممارسة الصلاحيات: أيهما أفضل؟

تحرص النصوص القانونية والتنظيمية على وضع مساطر واضحة، قدر الإمكان، قصد رفع اللبس والغموض عن أساليب مماسة الصلاحيات. لا يُمكننا هنا مناقشة كل التفاصيل، لكن يُمكن القول إجمالا أن هناك مجموعتين من القواعد التي تتحكم في هذه المساطر.

المجموعة الأولى، مجموعة نصية، أي أنه يتم التنصيص عليها صراحة بشكل لا يُمكن معها مخالفة النص تحت طائلة البطلان أو القابلية للإبطال. وهذا التوجه له من يُدافع عنه، خاصة في أزمنة كان الانفراد باتخاذ القرارات هو القاعدة الأساسية. وفي هذه الحالة يَعتَبِر “صاحب الصلاحية” أنه هو من يمتلكها وأن إشراك الغير في ممارستها، ولو من باب الاستشارة، يُنقص من مكانته.

إنه توجه عفا عنه الزمن.. توجه يختفي تدريجيا لتحل محله ممارسات جديدة، أحيانا بمبادرة من المعنيين، وأحيانا تحت ضغط المعارضة أو المجتمع المدني أو الرأي العام … أو متطلبات الديمقراطية التشاركية.

المجموعة الثانية، مجموعة تستند على روح النصوص وليس حرفيتها.. فالأمر هنا لا يتعلق بالنص في حد ذاته.. ولكن بالأسس والفلسفة والمبادئ التي يقوم عليها..

إننا هنا أمام مسألة ثقافية تُؤطر ممارسة الصلاحيات..لذلك.. فالمدافعين عن هذا التوجه لا تهمهم أرقام الفصول والمواد، بقدر ما يهمهم روح هذه النصوص.

ثانيا: الصبغة التشاركية في ممارسة الملك لصلاحياته

وعلى سبيل التوضيح.. أشير إلى الدستور منح إشارات كثيرة بخصوص الصلاحيات الملكية، والتي ينبغي على كافة المسؤولين استيعاب فلسفتها.. فالملك يُمارس صلاحيات هامة جدا.. قائمة في جلها على إشراك المؤسسات الأخرى..

إن الملك، بصفته أميرا للمؤمنين يعرض على المجلس العلمي الأعلى القضايا قصد دراستها (الفصل 41)، وتُوقع ظهائره بالعطف (الفصل 42)، ويُعين في المناصب العليا داخل المجلس الوزاري باقتراح من رئيس الحكومة، وبمبادرة منالوزير المعني (الفصل 49)، وأنه يرأس مجلسا أعلى للأمن، بصفته هيئة للتشاور (الفصل 54)، ويعرض على البرلمان كل معاهدة أو اتفاقية أخرى قبل المصادقة عليها (الفصل 55)، ويوافق على تعيين القضاة من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 57)، يمارس الملك حق العفو (الفصل 58) بناء على أشغال لجنة أحدثها القانون، ويتم توقيع ظهير إعلان حالة الحصار بالعطف من قبل رئيس الحكومة(الفصل 74)، ويتحذ قرار إشهار الحرب داخل المجلس الوزاريوبعد إحاطة البرلمان علما بذلك من لدن الملك (الفصل 99).

كما أن الملك يستشير رئيس الحكومة قبل أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم (الفصل 47)، ويقوم باستشارات موسعة عند إعلان حالة الاستثناء وعند رفعها (الفصل 59)، ويحل مجلسي البرلمان أو أحدهما بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين (الفصل 96).

فلسفة ينبغي على المسؤولين استيعاب أسسها، واعتبارها نهجا حديثا لممارسة الصلاحيات.

ثالثا: الديمقراطية التشاركية كأسلوب لممارسة الصلاحيات

لو فتحنا نقاشا عموميا أو حتى مؤسساتيا حول دستور 2011.. سنُلاحظ أن جل المتدخلين والمتدخلات لن يتذكروا من الدستور أرقام فصوله.. لكنهم بالتأكيد سيحدثونك عن المساواة.. والمناصفة.. ودسترة المجتمع المدني.. والديمقراطية التشاركية.. وحقوق المعارضة البرلمانية.. والحكامة الجيدة.. وغير ذلك كثير..

إن الاستناد على هذه المبادئ العديدة، له ما يُبرره.. وهو أن المجتمع عرف مع دستور 2011 اهتماما كبيرا بروح الدستور.. وأن أي ممارسة تُخالف هذا التوجه.. لن تلقى إلا الاستنكار..

نعم الاستنكار.. لأن الرأي العام آمن في البداية بأن له دستور مُتقدم.. وأنه قادر على تأطير الممارسات السياسية بشكل أفضل من المراحل السابقة.. ولم يعُد من الممكن إقناعه بأي ممارسة لا تصب في اتجاه التخفيف من الفردانية والممارسات الفردية لصالح أسس الديمقراطية التشاركية من استشارات وإخبار وإشراك وخضوع للتقويم..

لكل ذلك.. فإن ما حدث بخصوص تعيين أعضاء مجلس الهيئة الوطنية لضبط الكهرباءمجال ضبط الكهرباء أحدث رد فعل “عنيفة”.. وإذا استثنينا البيان الصادر عن أحزاب المعارضة البرلمانية الذي كان يصب في الاتجاه الأول من زاوية التركيز على الفصول والمواد من الدستور ومن الأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان.. فإن ردود الأفعال المجتمعية كانت مع التوجه الثاني.. ومعها كل الحق.

والمشكل أن ردود الفعل المؤسساتية وجدت نفسها في وضع دستوري محرج.. فالحديث عن حقوق “المعارضة” بمجلس النوب ينبغي أن يُقابله حقوق “الأغلبية” في مجلس المستشارين!!!

ليس من المهم أن نُذكر “صاحب الصلاحية” بمخالفته لأرقام فصول أو مواد مُعينة.. لأن تلك وجهة نظر قد نُخطئ في التقدير أو في التكييف الدستوري أو القانوني.. لكن من المهم التذكير بروح دستور 2011 وبما سطره من توجهات عامة تصب في اتجاه توسيع المشاركة.. وتدعيم الديمقراطية التشاركية.. وذلك هو بيت القصيد..

رابعا: دستور متقدم وممارسات بالية

لقد اعتبر تصدير الدستور أن المملكة المغربية، تعتبر “المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة…” مرتكزات لتوطيد وتقوية مؤسسات الدولة الحديثة، بل إن الفصل الأول جعل الديمقراطية التشاركية أحد أسس النظام الدستوري للمملكة..

كثيرا ما أتساءل مع نفسي عن الكيفية التي سيتم من خلالها تطبيق المقتضى الدستوري التالي:

“تُساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون” (الفصل 12).

إن الدستور لم يقف هنا عن حد الحديث عن “المساهمة” بل تعداها إلى التفعيل التقييم..

وبالرجوع لطريقة تعيين أعضاء ضبط الكهرباء.. يُمكن بسهولة أن تُثار أسئلة كثيرة.. من قبيل:

1- ماذا عن مبدأ السعي نحو تحقيق المناصفة بين الرجال والنساء؟

2- ماذا عن حقوق المعارضة البرلمانية التي ينبغي منحها مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية؟ وإذا اعتبرنا أننا نتحدث عن مجلس النواب، فإنه في مقابل ذلك أين حقوق “الأغلبية” في مجلس المستشارين؟

3- ماذا عن وضعية المغاربة المقيمين بالخارج الذين وضع الدستور على عاتق السلطات العمومية ضمان أوسع مشاركة، في المؤسسات الاستشارية، وهيئات الحكامة الجيدة، التي يحدثها الدستور أو القانون؟

4- وأخيرا وليس آخرا.. هل ستتمكن الأحزاب السياسية من تعزيز انخراط المواطنات والمواطنين في الحياة الوطنية بممارسة الصلاحيات بالشكل الذي يجعلهم/ن يُحسبون بأن تدبير الشأن العام يسير نحو الأفضل؟

بن يونس المرزوقي، أستاذ باحث بجامعة وجدة، خبير دستوري


 

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق