الصحافة _ بقلم: إدريس الأندلسي
وجب تذكير رئيس الحكومة، السيد عزيز اخنوش، قبل البدء، أن الاستثمار مطلوب ومرغوب فيه سواء تعلق الأمر بالمستثمر المغربي أو الأجنبي. ووجب تذكير السيد الرئيس بأن المغرب بدأ في دعم الاستثمار في كافة القطاعات منذ أكثر من ستين سنة. كانت خزينة الدولة سخية في قطاعات الفلاحة والسياحة والصيد والصناعة وغيرها من مجالات الإنتاج. ولكن النتيجة من كل هذا السخاء لم تصل إلى الأهداف المتوخاة وخصوصا في القطاع الفلاحي الذي استنزف ملايير الدراهم منذ أكثر من 16 سنة. صرفت الملايير على الصيد في أعالي البحار، وأعطيت الرخص لكبار القوم، وتحملت خزينة الدولة ثقل الضمانات التي أعطتنا لكي يتم اغناء فئة قليلة على حساب المواطنين واثقال الخزينة بالديون. ولم تتوقف سياسة المنح، بل تواصلت من خلال الميثاق الجديد للاستثمار الذي أعاد تمويل المستثمرين، عبر المنح، إلى الواجهة. ذهب عراب هذه المنح، الوزير السابق الجزولي، إلى حال سبيله، وأستمر الكرم، عبر الأموال العمومية، متدفقا غير منقطع في غياب تتبع الإنجاز وتقييم النتائج. وتستمر الحكومة في التوسع الخطابي حول استفادة الفقراء من الدعم، ولا تتكلم عن استفادة الأغنياء من الملايير عبر منح وتسهيلات جمركية وضريبية وعقارية. سيظل حال بلادنا يتأرجح بين “دولة اجتماعية”، لم تولد بعد، وبين دعم طبقات عليا لن تشبع أبدا من كرم منبعه أموال يدفعها الفقير وذو الدخل المحدود عبر ضرائب ومديونية منذ سنين.
يتكلم أشباه الاقتصاديين عن ثقل الفاتورة الاجتماعية، ويتناسون، عن عمد، يتبعه سخاء، أن كثيرا من أغنى الأغنياء، صنعتهم أموال الشعب.
قال رئيس الحكومة أن الاستثمار ميدان يتطلب العزيمة ولا علاقة لها بالعم والخال والأخ والزوجة. لقد نطق صدقا، ولا يمكن أن نناقش مستثمرا غامر بأمواله، واستفاد من منح من مال الشعب، وحقق أرباحا بعد أن التزم بخلق مناصب شغل وأنجز كل مراحل مشروعه حسب القانون. ويجب تذكير السيد رئيس الحكومة بأن تضارب المصالح يهم بالأساس الولوج إلى الاستفادة من المال الذي يتعلق بصفقات عمومية. وتقتضي هذه الأخيرة وجود منافسة شريفة لا تسمح لصاحب القرار أو لمحيطه العائلي أن يستفيد منها. ولعل السيد الرئيس نسي أن معضلة الصفقات توجد في الصف الأول المؤدي إلى تفشي الرشوة وتغييب الشفافية. حاولت كثير من المؤسسات والجمعيات ومنظمات دولية أن تدفع في اتجاه إصلاح نظام الصفقات العمومية، ولكن الإصلاح توقف على مستوى الشكليات القانونية والإدارية، ولكنه غاب على مستوى المراقبة والمحاسبة، وربط الصفقات باغتناء فئة من المنتخبين، ومن المسؤولين في الوزارات والجماعات الترابية. تتيح ميزانية الدولة تنظيم التباري حول صفقات يتجاوز مجموعها أكثر من 600 مليار درهم سنويا.
وتتوزع هذه الصفقات بين الوزارات، والمجالس الترابية و المؤسسات والمقاولات العمومية. ولطالما ظهرت مخالفات في مجال مخالفة مبدأ المنافسة، وفي مجالات التدبير والتتبع والتنفيذ. ويظهر أن مؤسساتنا الرقابية لا تمتلك كل الوسائل الزمنية والبشرية والقانونية للقيام بأدوارها. وتسبب هذه الوضعية في تعطيل كل آليات تسريع المحاسبة وما يليها من خطوات لتفعيل القانون.
يغلب التبرير، ورفع شعار ” أنصر أخاك ظالما كان أو مظلوما” على خطاب الحكومة. وأصبح من الواجب إعادة التذكير بالمبادئ الدستورية، وبضرورة تطبيق القانون في كل المجالات. أصبح الاستثناء في مجال الصفقات العمومية هو القاعدة في تمريرها لشركات دون أخرى. ويجب التذكير أن هذه الصفقات يؤطرها مرسوم يمكن تغييره في كل وقت، وذلك عكس القوانين. ويؤكد هذا المرسوم على أهمية التعامل بمرونة مع المسطرة العادية حين تتأكد ضرورة التعامل مع إنجاز مشاريع ذات طبيعة استعجالية. وهكذا أصبح اللجوء إلى تبرير ” الاستعجال” متاحا لكثير من أصحاب الأمر بالصرف. ولا يمكن التأكد من هذا التبرير إلا إذا تم اخضاع الصفقات المبرمة في إطار ” الاستعجال ” لافتحاص دوري وغير منقطع. ويمكن أن نعتبر عنصر التجربة في تنفيذ المشاريع جيدة جدا، ولكن لا يمكن أن تكون هذه التجربة وسيلة لنسف كل طريق أمام وصول المقاولات للمشاركة وتطبيق مبادئ المنافسة الشريفة.
أظهرت تجربة إرسال الصفقات على مقاولات بفعل ” الاستعجال” أن هذه الممارسة تشكل عدة مخاطر في خارطة الرشوة واستغلال النفوذ. وقد أكدت ممارسة مهام الرقابة والافتحاص وجود هفوات، وأخطاء متعمدة، أدت، في كثير من الأحيان، إلى تدخل القضاء للتحقيق في تهم ذات طابع جرمي، وإصدار أحكام ضد مسؤولين عن تدبير المال العام عبر تمرير صفقات عمومية خارج القانون. ولقد تميزت كثير من أحكام القضاء بحجز المبالغ المحصل عليها من طرف المسؤولين عن الصفقات، بالإضافة إلى الممتلكات المرتبطة بممارسة السلطة التي توجد بين أيدي الامرين بالصرف. وستظل الأفئدة غير البريئة والانتهازية مصدر دعم لكثير من الأحزاب التي ولدت من رحم الإدارة. وسيظل المغرب قويا بإرادة من يواجهون الفساد رغم محاولات لجم نضالات جنود فضح الفاسدين من طرف اقلية شعبية تحمل اسم “أغلبية عددية”. وإن غدا لناظره لقريب. وستظل الأسئلة الكبيرة هي: من يحاسب من استفاد من أموال الشعب، ولم ينفذ التزاماته اتجاه الشعب، ومتى تتم معاقبة من يستغل موقعه من أجل الاستغناء غير المشروع.