تحرير الرهائن المغاربة في الساحل.. تجلٍّ للدبلوماسية الأمنية المغربية وعمق الشراكة مع مالي

5 أغسطس 2025
تحرير الرهائن المغاربة في الساحل.. تجلٍّ للدبلوماسية الأمنية المغربية وعمق الشراكة مع مالي

الصحافة _ كندا

لم يكن إعلان حكومة مالي، مساء الاثنين 4 غشت 2025، عن تحرير أربعة سائقي شاحنات مغاربة اختُطفوا في شمال شرق بوركينا فاسو خبر عادي، بل هو لحظة دالة في قراءة التحولات الجارية في العلاقة المغربية الإفريقية، وتجسيد لنجاعة المقاربة المغربية في التعاطي مع تحديات الساحل، حيث تتقاطع الجغرافيا القاسية مع أخطر التنظيمات الإرهابية المتطرفة.

فمنذ اللحظات الأولى لاختطاف السائقين المغاربة، في 18 يناير 2025، كانت المؤشرات واضحة: الحدث يتجاوز حادثًا معزولًا في منطقة غير آمنة، ويقع في قلب واحدة من أعقد البؤر الجيوسياسية في العالم، حيث تمددت تنظيمات مسلحة كـ”داعش في ولاية الساحل” وسط فراغات أمنية ومؤسساتية. وقد استدعى هذا التحدي استنفارًا دبلوماسيًا واستخباراتيًا عالي المستوى، قادته الرباط انطلاقًا من يقين استراتيجي بأن حماية المواطنين المغاربة في الخارج، لا سيما في مناطق التوتر، أولوية سيادية لا تقبل التأجيل ولا المساومة.

بيان الحكومة المالية، الذي أثنى بشكل مباشر على “العزم والاحترافية” التي طبعت تنسيق العمل بين الوكالة الوطنية لأمن الدولة في مالي والمديرية العامة للدراسات والمستندات (DGED) بالمغرب، يكشف عن مستوى من الثقة الاستراتيجية المتبادلة، لم يكن ليتحقق لولا الرصيد التراكمي الذي أسسه المغرب مع عدد من دول الساحل في مجالات الأمن، التنمية، والتعاون الروحي والديني، منذ العودة الموفقة إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017.

العملية، في بعدها السيادي، تندرج ضمن ما يمكن تسميته بـ”الدبلوماسية الأمنية الهادئة”، التي تعتمدها الرباط في مناطق التماس الأمني والتهديد الإرهابي، وتقوم على ثلاثية: الهدوء السياسي، المصداقية الاستخباراتية، والثقة المتبادلة مع الفاعلين المحليين. وفي الحالة المالية، التي تعيش سياقًا داخليًا دقيقًا عقب انتقال السلطة وتعقيدات الوضع الإقليمي، فإن تنسيقًا من هذا النوع ليس مجرد تبادل معلومات، بل دليل على مستوى عال من التموقع المغربي كشريك موثوق في مكافحة الإرهاب ومرافقة الاستقرار.

لا يمكن، في هذا السياق، فصل هذا الإنجاز عن ثوابت السياسة الخارجية المغربية، التي تضع التعاون جنوب–جنوب، والدفاع عن المواطنين، وتعزيز الأمن الجماعي في القارة الإفريقية، ضمن مرتكزاتها الجوهرية. وهي سياسة تحظى بشرعية مزدوجة: ملكية، باعتبار التوجيهات السامية التي ما فتئت تدعو إلى تعزيز حضور المغرب في إفريقيا بأبعاد متعددة، ومؤسساتية، عبر تفعيل آليات التنسيق الاستخباراتي والدبلوماسي والإنساني.

كما أن العملية تعيد التأكيد على مركزية المغرب كفاعل استراتيجي في محيط الساحل والصحراء، ليس فقط من منطلق الجغرافيا، بل من منطلق الكفاءة والمؤسساتية والالتزام بقضايا الأمن والتنمية المشتركة. في زمن تتراجع فيه بعض القوى التقليدية عن أدوارها في المنطقة، يثبت المغرب مرة أخرى أنه فاعل يُعوَّل عليه، سواء في مواجهة التهديدات أو في إعادة بناء الثقة.

إن نجاح تحرير السائقين الأربعة، دون خسائر، ومن قلب واحدة من أخطر بؤر التوتر، يبعث برسالة قوية مزدوجة: للمغاربة، بأن دولتهم حاضرة بحزم وفعالية في الدفاع عنهم، وللشركاء الأفارقة، بأن المغرب لا يكتفي بالخطاب، بل يلتزم بالفعل، والمؤسسات، والنجاعة.

إن هذا الحدث، رغم طابعه الأمني، يجب أن يُقرأ كعلامة دالة على ما يمكن تسميته بـ”الدبلوماسية السيادية الوقائية”، التي تمارسها المملكة في العمق الإفريقي، حيث يصبح الأمن بعدًا من أبعاد السياسة الخارجية، ويصبح الدفاع عن المواطنين خارج الحدود عنوانًا لوطن يستثمر في ثقته، ويفرض حضوره، ويحمي كرامته، حيثما حلّت مواطنيه.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق