الصحافة _ بقلم: إدريس الأندلسي
أصبح مشهد صفوف المواطنين المغاربة أمام قنصليات العديد من الدول يبعث على الخجل.
صفوف تضم طلبة، و رجال أعمال و عائلات لديها مهاجرون مقيمون في أوروبا أو آسيا و أمريكا.
تزداد هذه الصفوف طولا أمام سفارات دول الخليج خلال موسمي العمرة و الحج و مهرجانات التجارة، و غيرها من المناسبات و الظروف.
يتساءل الكثير من المغاربة عن دخول ،من غير تأشيرة ، لمواطني الدول التي تفرض علينا تأشيرات.
كثيرة هي الجنسيات التي لا تفكر في التأشيرة قبل برمجة رحلتها إلى المغرب.
يصل الأوروبي، مرفوع الرأس، أمام مصالح ختم جوازه. بضع أسئلة عن عنوان سكن، ثم حتم جواز، فانصراف. المسار بالنسبة للمغربي طويل جدا، و متعب جدا ، و مكلف جدا ، و مهين جدا. لماذا لا تتعامل بلادنا بالمثل مع سلطات الدول التي تعتبرنا من صنف يجب أن يخضع للبحث و التمحيص للتأكد من قدرته على الدخول إلى بلادهم.
سجلت أرقام وصول الأجانب إلى المغرب إرتفاع كبيرا عند نهاية سنة 2024.
وصل عدد من زاروا بلادنا، و الذين يأتون كسياح ، إلى 17,4 مليون زائر، بما فيهم مغاربة العالم،و لم تتجاوز مداخيل السياحة حوالي 112 مليار درهم .
و هذا يعني أن السائح الذي زار بلادنا لم تصل نفقاته الكلية إلى 8000 درهم شاملة فندقا، و مطعما ، و تنقلات ، و مقتنيات ،بينما يصل هذا المبلغ إلى ما يعادل حوالي 75 ألف درهم في فرنسا.
و يعكس هذا الرقم المسجل في بلادنا تطورا في كثير من المعطيات السياحية التي تميز المنتوج و العرض المغربيين لاجتذاب الراغبين في زيارة بلادنا .
و يتضمن هذا الرقم مغاربة العالم طبعا. يجب التذكير بأهمية القطاع السياحي في الإقتصاد المغربي و ذلك لما تزخر به مختلف مكونات بلادنا الجغرافية و المعمارية و الثقافية. كان المغرب من الدول التي رفعت السياحة إلى قطاع ذي أولوية اقتصادية منذ بداية السبعينات.
و قد وضعت لهذا الغرض إطارا قانونيا تحفيزيا للإستثمار ات في مجال الفنادق، و الإهتمام بالمنتوج الثقافي الفني و المعماري.
و تم خلق عدة بنيات فندقية منذ نهاية الستينات من القرن الماضي.
و هكذا أصبحت بعض المدن المغربية، كمراكش و أكادير تستقطب الطلب الخارجي السياحي.
و لكن مروردية القطاع تظل ضعيفة . كان للمنتوج السياحي المغربي الموجه للسياح ذوي الدخل العالي تأثير على قيمة و صلابة البنية السياحية المغربية. و لكن تظل مردودية هذا القطاع ضعيفة بالمقارنة مع دول أخرى.
مصاريف المغاربة في مجال السياحة الدينية تصل إلى حوالي 40 ألف درهم لعمرة و أكثر من 60 ألف درهم لشعيرة الحج. أما رحلة لشمال المتوسط فتتجاوز أكثر من 100 يورو لليوم الواحد و للفرد الواحد .
عشنا خلال سنوات العقد السادس من القرن الماضي وفود آلاف السياح الباحثين عن ” حرية و متعة و فوضى كانت مطلوبة ” بعد ثورات ثقافية و ايديولوجية و سياسية عرفتها سنة 1968 ، و السنوات التي تلتها و خصوصا سنة 1971 ، بعد حسم حرب الفيتنام ، و( الله يرحم الصحافي الطاهر بلعربي ). عشنا عقود من الزمن على فتح بلادنا لكل الزوار. و كنا ندخل كل دول أوروبا كطلبة دون أن نجبر على طلب تأشيرة التي لم تصبح ضرورية الا سنوات بعد أحداث ميونخ خلال الألعاب الأولمبية لسنة 1972 .
و تطورت الكثير من أشكال السياحة ببلادنا بالموازاة مع استمرار المغرب في فتح أبوابه، دون تأشيرة، للكثير من مواطني دول تفرض على إغناءينا ، و طبقتنا الوسطى و اطرنا العليا تأشيرة الدخول إليها بشروط فيها الكثير من الاذلال.
و يدخل الأوروبي العاطل إلى بلادنا بكل حرية. و تفتح له أبواب العمل دون رخصة، و قد ينتمي لجحافل السياح الذين يملؤون احياءنا الشعبية بسبب تكلفة السكن الشعبي و الأكل في أماكن لا يتجاوز سعر وجباتها 10 دراهم. و لنا في الازدحام على أماكن ” اكل الشوارع” و على المنازل الشعبية خير مثال على نوع السياحة التي تتطور في غياب التأشيرات. يفرض على السائح المغربي الاستجابة لكل الشروط للحصول على التأشيرة. و يتعرض نفس السائح المغربي لحرب أسعار حين يتجه لفنادق بلاده.
و يستفيد السائح، الأجنبي المعفي من التأشيرة، من أسعار أقل بحوالي 60% من الأسعار المقدمة للمغاربة.
أصبح هذا الأمر ” فيه كثير من الحكرة”. يتم حرمان المغاربة ذوي القدرة المالية و الوظيفية من تأشيرة، وتقف إدارات بلادنا موقفا سلبيا إتجاه مبدأ ” المعاملة بالمثل”.
ويجب التأكيد على أن الحصول على تأشيرة شنغن تمكن من قضاء عطلة في إسبانيا و البرتغال بأسعار معقولة جدا بالنسبة لأسعار فنادق مراكش و أكادير و فاس و طنجة.
و لقد أصبح هذا الوضع يطرح سؤالين اساسين. الأول يتعلق بفرض التأشيرة الإلكترونية على كل الدول التي تفرض تأشيرة على المغاربة.
و يجب أن لا تكون هذه التأشيرة عائقا لتطوير موقعنا في سوق السياحة العالمي.
و لكنها يجب أن تمكن السياح الأجانب من الولوج إلى المغرب على أساس القدرة المالية التي تغطي وسائل الأداء المسبق للفنادق و التغذية و التأمينات اللازمة في حالات حدوث أزمة صحية للسائح.
و هذه شروط أقل من تلك التي تفرضها دول أوروبا و آسيا و أمريكا. لا نريد سياحة غير مراقبة، و لكن سياحة تستجيب لشروط القدرة المالية و الشرائية و عدم تحويل المنتوج السياحي المغربي إلى منازل شعبية و أكلات الشوارع و بروز قطاع غير مهيكل قد يسيء للسياحة المغربية.
لو وصل المبلغ الذي يصرفه السائح الأجنبي الميسور في بلادنا إلى 1000 يورو خلال مقامه في المغرب، لبلغت مداخيلنا السياحية إلى أزيد من 170 مليار درهم سنة 2024. و كثيرة هي الإجراءات التي يجب اتخاذها لتشجيع السياحة الداخلية بالفعل عبر السعر و نوعية الخدمة و استمراريتها.