بقلم: محمد بوبكري
لقد تم مؤخرا تأجيل الزيارة التي كان منتظرا أن يقوم بها الوزير الأول الفرنسي على رأس وفد وزاري يضم سبعة وزراء. وقد كان جنرالات الجزائر يعلقون آمالا كبيرة على هذه الزيارة التي وقع تأجيلها.
لكن لقد تضاربت الآراء حول أسباب هذا التأجيل، حيث تروج وسائل الإعلام التابعة لحكام الجزائر أن هذا التأجيل جاء بمبادرة من الجانب الجزائري، لكن هناك أخبار مؤكدة تقول إن قرار التأجيل تم من جانب واحد هو الجانب الفرنسي، حيث كيف لمن يعلق آمالا كبيرة على هذه الزيارة أن يبادر بتأجيلها؟ أليس الفرنسيون هم أسياد الجنرالات؟ ألا يبحث حكام الجزائر عن دعم سياسي فرنسي لسياساتهم الداخلية والخارجية؟ وهل يمكن للضعيف أن يمارس عضلاته على القوي؟ وهل يستطيع “شنقريحة” والرضيع الفرنسي الجنرال “خالد نزار” أن يعاملا فرنسا بندية؟ وهل استقل حكام الجزائر عن فرنسا حتى تكون لهم سلطة اتخاذ قرار التأجيل؟…
لقد كان هدف جنرالات الجزائر من هذه الزيارة هو توجيه طلب إلى الحكومة الفرنسية يرمي إلى انتزاع موقف فرنسي يقضي بتسليم الصحفي الكبير “هشام عبود”والإعلامي المبدع “أمير د. ز” إلى جنرالات الجزائر بناءا على مذكرة دولية تم استصدارها عن القضاء الجزائري تتهمهما بالإرهاب وتطلب توقيفهما، ما يستوجب، حسب الجنرالات، تسليمهما إلى القضاء الجزائري التابع للجنرالات الذي قد يصدر، بأمر من هؤلاء، حكما بإعدامهما بغية تخويف رموز الحراك وترهيبهم من أجل إخماد جذوة الحراك و إضعافه…
وما دام هذا هو الهدف الأساس للجنرالات من هذه الزيارة،فإن “شنقريحة” وأفراد عصابته حاولوا التحايل على الفرنسيين، حيث طلبوا من هؤلاء إدراج نقطة للنقاش تتعلق بقيام الفرنسيين بتسليم الخريطة الطوبوغرافية للنفايات النووية التي خلفتها التجارب النووية التي قامت بها فرنسا في الصحراء الجزائرية من عام 1960 إلى سنة 1966. وقد اعتقد الجنرالات كعادتهم، عن سوء تقدير، أن الفرنسيين شديد و الحساسية لهذه القضية،ماجعلهم يقترحون هذه النقطة من أجل انتزاع موافقة فرنسا على تسليمهم كلا من “هشام عبود” و”آمير د.ز’. وتقول بعض الأخبار أن الجنرالات انزعجوا من تقليص عدد أعضاء الوفد الوزاري المرافق للوزير الأول الفرنسي، كما أنه كان منتظرا أن تستغرق هذه الزيارة يومين، وفضل الجانب الفرنسي تقليصها إلى يوم واحد فقط، الأمر الذي تزعم بعض مصادر الأخبار التابعة للجنرالات أنه تسبب في تأسف هؤلاء وتألمهم من جراء ذلك، حيث كانوا ينتظرون أن تحدث هذه الزيارة تحولا كبيرا في الصداقة الفرنسية الجزائرية، الأمر الذي كانوا يتوقعون منه آنه سيجلب لهم دعما سياسيا محليا ودوليا…
إضافة إلى ذلك، فقد جاء هذا التأجيل على خلفية ما تعرض له الطفل “سعيد شتوان” من تحرش جنسي ومحاولة الاغتصاب في مخفر الاستخبارات الجزائرية، التي تحولت في أعين كل من الرأي العام الوطني والدولي من جهاز أمن إلى جهاز لاغتصاب الاطفال، حيث سبق للمناضل الطالب “وليد نقيش” أن قدم شكاية بانه تعرض للاغتصاب الجنسي من قبل رجال المخابرات الجزائرية، ما جعل الشارع الجزائري يرفع شعارات تنعت المخابرات الجزائرية بكونها “إرهابية”…
ونظرا لأن فرنسا تعرف جيدا ما يجري في الجزائر من قضايا العنف والتعذيب والتوقيف والاعتقال. وبما أن الإعلام الفرنسي يتابع هذا النوع من القضايا، كما أنه مستمر في تغطية انتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر، ما جعل الرأي العام الفرنسي ينبذ ذلك. وهذا ما دفع الحكومة الفرنسية إلى تجنب توريطها في الشؤون الجزائية مخافة أن يؤثر ذلك سلبا على مستقبلها السياسي، لأنها ترفض أن تحسب عليها مساندتها للجنرالات الذين يضطهدون معارضيهم، ويسعون إلى محاكمتهم وتعذيبهم وربما اغتيالهم وإعدامهم. فضلا عن ذلك، فقد صدرت تقارير دولية تفضح اعتداءات حكام الجزائر ضد المشاركين في الحراك الشعبي الجزائري السلمي الحضاري، الذي يسعى إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.
هكذا، فإن آحداث العنف التي عرفتها الجزائر مؤخرا قد أثارت الكثير من الخلافات بين المسؤولين الفرنسيين وحكام الجزائر، ما يفسر سبب تاجيل هذه الزيارة، الذي ليس راجعا لجائحة “كوفيد”، بل إنه يعود ، أساسا، إلى أن فرنسا لن تقبل القيام بتسليم الإعلاميان “هشام عبود” و”أمير د.ز، لأنها ترفض أن يتم تصنيفها بأنها تساعد الحكام الذين ينتهكون حقوق الإنسان، الأمر الذي يتعارض مع الميادئ التي تنهض عليها الديمقراطية الفرنسية، كما أنه يتنافى مع المواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، حيث قد تنجم ذلك إدانة دولية للحكومة الفرنسية…
فضلا عن ذلك، يعود تأجيل هذه الزيارة إلى أن فرنسا ترفض ما يحدث من عنف في الجزائر في هذه الفترة.
ونظرا لكون فرنسا على علم مسبق بتوجه التصعيد الحراك الشعبي الذي قد يسير فيه حكام الجزائر بناءا على مداولات مجلس الأمن الجزائري الأخيرة،فإن فرنسا ترفض أن يحسب عليها ذلك، لأنها لا تقبل أن يتم توريطها في مساندة منتهكي حقوق الإنسان، حيث إنه يوجد في فرنسا مجتمع مدني قوي قد ينتفض ضد الحكومة الفرنسية بسب ذلك. كما أن فرنسا ترفض كل ما يخططه الجنرالات من مؤامرات ضد الحركة الأمازيغية الجزائرية….
فوق ذلك، فإن لفرنسا أسئلة كثيرة حول دور الجزائر في الصحراء، وفي كل من شمال أفريقيا ودول الساحل.
تبعا لذلك، ورغم التبادل الشكلي للمجاملات بين حكام الجزائر والمسؤولين الفرنسيين، فقد حدثت مؤخرا أزمة عميقة بين البلدين بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر، أيضا بسبب تعامل الجنرالات مع خصوم الحلف الأطلسي وإيران… كما أن لفرنسا شكوك في الأدوار التوسعية التي يرغب حكام الجزائر في لعبها بشمال أفريقيا والصحراء ودول الساحل…
هكذا، فإن فرنسا غير راضية عما يحدث في الجزائر، وما سيحدث فيها من عنف ضد الشعب الجزائري، ما جعل ملف حقوق الإنسان سببا في تاجيل زيارة الوزير الأول الفرنسي للجزائر، حيث بدأ هذا الملف يشكل عقبة في التقارب بين الجانبين، خصوصا إذا لجأ حكام الجزائر إلى التصعيد ضد الحراك الشعبي السلمي…
تبعا لذلك، فإن قضية انتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر مرشحة للتدويل. وإذا لجأ حكام الجزائر إلى التصعيد ضد هذا الحراك، فإنهم سيزجون بأنفسهم في الجحيم الذي قد يفضي إلى نهايتهم…
وما دام الشعب الجزاىري مصر على الاستمرار في حراكه،حيث قرر تنظيم طوفان من المظاهرات خلال زيارة الوفد الوزاري الفرنسي للجزائر بهدف جعل فرنسا توضح موقفها من ما يمارسه حكام الجزاىر من عنف ضد الشعب الجزائري، فإن تأجيل هذه الزيارة هو إعلان عن رفض فرنسا لممارسة العنف من قبل حكام الجزائر ضد الحراك الشعبي السلمي. هكذا تكون فرنسا قد حسمت موقفها لصالح الحراك، الأمر الذي سيحبط مايحكيه الجنرال “شنقريحة” والجنرال “خالد نزار” والجنرال “توفيق محمد مدين” وعصابتهم من مؤمرات ضد الحراك الشعبي ورموزه، التي أصبحوا يهددونها، على لسان “تبون” بالاغتيال…
لذلك، فإن تأجيل هذه الزيارة هو انتصار رمزي وسياسي للحراك الشعبي الجزائري، الذي أتمنى أن يكلل نضاله بتوفير شروط بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.