بين الليبرالية الجديدة والأوراسية الروسية: كيف يعاد توزيع الثقل الاستراتيجي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط؟(مقدمة عامة)

29 يونيو 2025
بين الليبرالية الجديدة والأوراسية الروسية: كيف يعاد توزيع الثقل الاستراتيجي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط؟(مقدمة عامة)

الصحافة _ بقلم زكرياء البركاوي

انتهت الحرب الباردة عند مفترق طرق مفتوح لمصير البشرية. لم يكن انحلال الاتحاد السوفياتي في 1991 مجرد حكاية تروى بين صفحات الكتب، بل كان محطة تحوّل كبرى بدا فيها أن الديمقراطية الليبرالية الغربية قد انتصرت في نزاعها الأيديولوجي بحكمها على النظام الدولي. ظل هذا الأمل يراود البعض زمنا ما، فاندفع كبار المفكرين أمثال فرنسيس فوكوياما لإعلان «نهاية التاريخ» واشتداد عرى قيام الديمقراطية الليبرالية كنموذج عالمي لا منازع له، خاصة مع موجات التحول الديمقراطي في بلدان أوروبا الشرقية. لكن هذه الحماسة ما لبثت أن اصطدمت بحقائق غاشمة: الفتك العرقي في البلقان، إبادة رواندا، الانفتاح الاقتصادي الصيني بطابعها الاستبدادي، ما أضعف وهج «نهاية التاريخ الفاتنة» شيئا فشيئا.

وعلى العكس من ذلك، ورد إلى السطح صامويل هنتنغتون بنظرية «صدام الحضارات» عام 1993، محذّرا من أن الصراعات المقبلة لن تكون بين دول ولا أيديولوجيات، بل بين حضارات كبرى تختلف فى قيمها وثقافتها ودياناتها. ومع ارتفاع منسوب التوتر بين الغرب وبين العالم الإسلامي، وتعمق الهوية الدينية والقومية في مقدمة الأزمة، بدت رؤية هنتنغتون ملتصقة بواقع معقد.

وبين هذا وداك، برزت مجموعة من المدارس الفكرية لتأطير هاته التحولات قصد فهمها، وأبرزها عودة روسيا تحت زعامة فلاديمير بوتين لتلعب دور الفاعل الدولي، متبنية أكاديمية الأوراسية عند ألكسندر دوغين التي تمزج بين الجغرافيا والهوية لتخلق تحالفا مواليا للغرب. ومثلهم صاغ مفكرون روس أمثال يفغيني بريماكوف، وسيرغي لافروف وأندريه سوشنتسوف استراتيجيات من شأنها أن تؤسس لعالم متعدد الأقطاب، يعادل التوسع الأطلسي. ومن جانب آخر، صاغ الدفاع عن الذات، أو المدرسة الواقعية الهجومية مع جون ميرشايمر، والتيارات النيومحافظة في الولايات المتحدة مع وولفوفيتز وكريستول، أكبر المبررات في التدخلات العسكرية من أجل نشر الديمقراطية.

وفي إطار التنافس الذي يعيشه العالم في المرحلة الحالية، بين هذه القوى العظمى، يبرز المغرب بوصفه حالة استثنائية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط: فإلى جانب عمقه التاريخي و استقراره المؤسساتي، أصبح المغرب قطبًا إقليميًا تتقاطع عنده مصالح روسيا والصين والولايات المتحدة،التي تراهن عليه جميعًا كرافعة لإعادة ترتيب القوى والتوازنات في هذا الفضاء الجيوستراتيجي. ومع ذلك، لا تخلو هذه الرهانات من أبعاد إشكالية، إذ يُطرح تساؤل موضوعي حول ما إذا كان المغرب يستفيد فعلاً من هذا التهافت الجيوسياسي لخدمة أولوياته الوطنية والتنموية،

وبين هذا وداك، برزت مجموعة من المدارس الفكرية لتأطير تلك التحولات ولكي نفهمها، وأبرزها عودة روسيا تحت زعامة فلاديمير بوتين لتلعب دور الفاعل الدولي، متبنية أكاديمية الأوراسية عند ألكسندر دوغين التي تمزج بين الجغرافيا والهوية لتخلق تحالفا مواليا للغرب. ومثلهم صاغ مفكرون روس أمثال يفغيني بريماكوف، وسيرغي لافروف وأندريه سوشنتسوف استراتيجيات من شأنها أن تؤسس لعالم متعدد الأقطاب، يعادل التوسع الأطلسي. ومن جانب آخر، صاغ الدفاع عن الذات، أو المدرسة الواقعية الهجومية مع جون ميرشايمر، والتيارات النيومحافظة في الولايات المتحدة مع وولفوفيتز وكريستول، أكبر المبررات في التدخلات العسكرية من أجل نشر الديمقراطية.أم أنه مهدد بأن يتحول إلى مجرد ساحة تنافس بين القوى الكبرى.

كل حلقة من حلقات هذه السلسلة الاثنتي عشرة ستعمل على تفكيك مسارات هؤلاء المفكرين والمدارس والنماذج المختلفة، في محاولة لفهم جديد للصراع في الشرق الأوسط، وكيف أن إختلال موازين القوى بين النقيضين قد يجعل من شمال افرقيا, و المغرب على وجه الخصوص مركز ثقل لبناء التوازن العالمي، فمحاولة للإجابة على كل هاته التناقضات نطرح الأسئلة الآتية:

هل تحرك الصراعات الدولية اليوم الهويات الحضارية والدينية فعلاً، أم أن دوافع الأمن والمصالح المادية لا تزال صاحبة الكلمة الأخيرة؟

هل تبقى العولمة والديمقراطية مشاريع مثالية لاحتواء النزاعات، أم أنها أحيانًا مجرد ستار ناعم للهيمنة والتدخل؟

كيف استطاعت روسيا، من خلال الأوراسية وصياغاتها الجيوبوليتيكية الجديدة، خلق توازن مقابل للأحادية الأمريكية؟

وأي مكان يحتله المغرب وسط هذا كله، بين فرص تعزيز مكانته كقطب حقيقي لشمال أفريقيا والشرق الأوسط، وبين تحديات أن يكون أداة في أيدي مشاريع أوسع لا تخدم دائمًا مصالحه الجوهرية؟

 

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق