الصحافة _ كندا
بدأت ملامح توتر سياسي-مؤسساتي تلوح في الأفق بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي ترأسه رحمة بورقية، ووزارة التربية الوطنية التي يقودها سعد برادة، المنتمي إلى حزب التجمع الوطني للأحرار. توترٌ يُنبئ بصدام قادم حول منهجية الإصلاح التربوي وسرعة تنفيذ المشاريع، وفي مقدمتها مشروع “المدرسة الرائدة” الذي تتبناه الحكومة وتسوّقه كإنجاز محوري في قطاع التعليم.
وفي افتتاح أشغال الجمعية العامة للمجلس الأعلى، وجّهت بورقية رسائل صريحة وأخرى مشفّرة، انتقدت فيها ما اعتبرته “تباطؤاً مقلقاً” في تنزيل الإصلاحات، محذرة من أن “زمن الإصلاح بدأ يفقد معناه”، في ظل استمرار الاختلالات البنيوية التي تُعيق نجاعة منظومة التربية والتكوين. وقالت بنبرة حادة: “استنفدنا زمن الإصلاح، وأضحى هذا المفهوم يفقد معناه… ولا بد من استهداف ما هو بنيوي إن أردنا التغيير الحقيقي”.
هذه التصريحات اعتُبرت من قبل متابعين إشارة واضحة إلى امتعاض المجلس من “الاحتفاء الحكومي المبالغ فيه” بمشاريع لا تزال في طور التجريب، في إشارة إلى برنامج “المدرسة الرائدة” الذي يروّج له الوزير برادة كتحول نوعي، رغم عدم تعميم نتائجه بعد.
ولم تُخف بورقية تحفظها على هذه السرعة في “تسويق المنجزات”، إذ قالت بوضوح: “من المعلوم أن هناك مشاريع تجريبية في طور الإنجاز، ولا يمكن الحسم في نتائجها إلا بعد تعميمها فعلياً”. وهي عبارة فهمها كثيرون على أنها انتقاد مباشر لسياسات وزارة التربية، التي اختارت منح الأولوية للإعلان عن النجاحات، بدل التريث في التقييم والبناء المرحلي.
وفي موقف يُعبّر عن اختلاف جذري مع الخطاب الحكومي، شددت رئيسة المجلس على أن القانون الإطار وحده لا يكفي، وأن الأهم هو التفعيل الواقعي والناجع، “برؤية دقيقة وتوافق وطني صادق”. وهو ما يُعتبر، في السياق السياسي الراهن، تلميحاً إلى افتقار الحكومة للتشاور الحقيقي مع الفاعلين المؤسساتيين، والركون إلى قرارات فوقية ذات طابع سياسي أكثر من كونه تربوياً.
كما لفتت بورقية إلى مفارقة صارخة في النظام التعليمي المغربي، بين تخريج كفاءات تنافس على الصعيد الدولي، واستمرار نزيف التكرار والانقطاع المدرسي محلياً، ما يعمّق أزمات الهدر المدرسي والفقر والأمية.
وفي ملف حساس آخر، دعت بورقية إلى إدراج التربية الرقمية ضمن المنظومة التربوية، محذرة من خطورة ترك الأجيال الناشئة تحت رحمة الخوارزميات، من دون حماية فكرية وأخلاقية. وهو طرح بدا متقدماً على خطاب وزارة التربية، التي ما زالت تشتغل بمنطق البرامج التقليدية دون دمج فعلي للثورة الرقمية.
هذه الخلافات في الرؤية، والتنبيهات التي أطلقها المجلس الأعلى، تعكس – بحسب متابعين – بداية تصدع في العلاقة بين المؤسسة الاستشارية العليا والوزارة الوصية، خصوصاً وأن هذا التباين يأتي في وقت حساس، تتجه فيه الأنظار إلى إصلاح التعليم كأحد أعمدة النموذج التنموي الجديد.
فهل نشهد في المرحلة المقبلة مواجهة مفتوحة بين مجلس بورقية ووزارة برادة؟ أم أن الحكومة ستبادر إلى احتواء هذا التوتر قبل أن يتحول إلى أزمة مؤسساتية تؤثر على مستقبل المدرسة المغربية؟