الصحافة _ الرباط
غادر زعيم جبهة “البوليساريو” الانفصالية إبراهيم غالي، الأراضي الإسبانية، التي دخلها بهوية مزورة، خلال الساعات الأولى من صباح الأربعاء 2 يونيو الجاري، على متن طائرة أقلعت من بامبلونا متوجهة إلى العاصمة الجزائية، بعد مثوله أمام محكمة إسبانية بخصوص قضايا “إبادة وتعذيب”، وسط تساؤلات حول مدى تأثير هذا المستجد على مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية.
محمد شقير، الأستاذ في العلوم السياسية، والخبير في العلاقات الدولية، أفاد بأن بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، الذي صدر عشية مثول غالي أمام القضاء الإسباني، أبان بشكل واضح أن تقديم زعيم “البوليساريو” للمحاكمة، “خطوة أخذ بها المغرب علما، لكنها تبقى مسألة ثانوية، بالنسبة لمستقبل العلاقات بين البلدين”.
وقال شقير إن المشكلة الأساسية التي يجب على الجانب الإسباني الحسم فيها، هي تحديد طبيعة علاقته مع المغرب، التي يفترض أن تكون مبنية على الثقة وتبادل المصالح، مما يفرض على الجارة الإيبيرية، تحديد موقفها بشكل صريح من قضية الصحراء المغربية.
وجاء في بلاغ الخارجية المغربية، أن “قضية غالي كشفت تواطؤ الجار الشمالي مع خصوم المملكة لتقويض أراضي المغرب”.
وأوضح شقير أن مجرد مثول غالي أمام القضاء الإسباني، بغض النظر عن القرار الذي أصدرته المحكمة، يعتبر انتصارا للدبلوماسية المغربية، التي استطاعت “إحراج الجانب الإسباني أمام العالم”.
وتابع شقير أن المغرب يطمح إلى فرض أرضية جديدة في التعاملات المستقبلية مع الجانب الإسباني، بناء على أسس مغايرة، وهذا ما عكسه بلاغ الخارجية المغربية، الذي أشار إلى أنه “إذا كانت الأزمة مع إسبانيا لا تنتهي بظهور المسمى ‘غالي’، فلا يمكن حلها بالاستماع وحده. وشدد على أن توقعاته المشروعة تتجاوز ذلك من خلال توضيح لا لبس فيه من قبل إسبانيا لخياراتها وقراراتها ومواقفها”.
وبخصوص مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية، بعد المستجدات الأخيرة، أفاد شقير بأن الأزمة الأخيرة لا تعتبر أول توتر تشهده العلاقات بين البلدين، بحكم الجوار وقضايا الهجرة، وثغري سبتة ومليلية المحتلين، والتنافس الإقليمي، موضحا أنه ليس من مصلحة البلدين قطع العلاقات الدبلوماسية، حيث يرجّح أن يبحث الطرفان عن حل وسط، على أرضية جديدة تُحترم خلالها قضية الوحدة الترابية المغربية.
ومن جانبه، قال خالد شيات، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن العلاقات المغربية الإسبانية شهدت استقرارا وتطورا إيجابيا خلال السنوات الأخيرة، على جميع المستويات، خصوصا الجانب المتعلق بالتعاون الأمني والاقتصادي بين البلدين، منذ 2002.
وأوضح شيات أن تأثيرات الأزمة الأخيرة بين المغرب وجاره الإيبيري على العلاقات بين البلدين، تتوقف بالأساس على الموقف الإسباني من هذه القضية، “حيث يُتوقع أن تكون أزمة مؤقتة إن كانت خيارا حكوميا، أما إن كانت خيار دولة، فيُتوقع لهذه الأزمة أن تستمر”.
وفي السياق ذاته، كشف مصطفى أوزير، رئيس شعبة الدراسات الاسبانية، بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن مسار العلاقات المغربية الإسبانية، شهد عدة هزات كان يتم احتواؤها عبر القنوات الدبلوماسية، حيث كان المغرب كريما جدا في التماهي مع الموقف الإسباني، إلى درجة أن بعض الساسة الإسبان بدأت تتكون لديهم قناعة بأن المملكة غير قادرة على الدفاع عن قضاياها المصيرية، ومصالحها الاستراتيجية، متناسين بذلك المتغيرات الجديدة التي جعلت من المغرب فاعلا سياسيا استراتيجيا لا يمكن الاستغناء عنه، في استقرار المنطقة.
وأضاف أوزير أن تقديم زعيم “البوايساريو” للمحاكمة، يعتبر تأكيدا على سلامة الموقف المغربي، مشيرا إلى أن هذا المستجد يمكن اعتباره بداية انفراج سيهيئ الأجواء للطرفين، للجلوس إلى طاولة الحوار لأن ما يجمع البلدين، أكثر مما يفرقهما، لكن على الجانب الإسباني أن يستحضر التغيرات الجيوستراتيجية، إقليميا وعالميا، وأن يستوعب أن هناك تغيرات جوهرية في موازين القوى، على المستوى العالمي.