بقلم: محمد بوبكري
أعلن “عبد المجيد تبون” في خطابه الأخير أن الحرائق قد اندلعت في الجزائر في 9 غشت، لكن ذلك غير صحيح، لأنها اندلعت قبل هذا التاريخ في كل من مدينة ” خنشلة” و”الأوراس”، وهذا ما جعل الرأي العام الجزائري يتساءل عن غياب “تبون” طيلة هذه الأيام الأخيرة، ما يعني أن الجزائريين يشعرون اليوم أنه لا وجود لدولة تحميهم، ولا لمستشفى يعالجهم… وهذا مايؤكد أن الدولة لا وجود لها في الجزائر. وما يؤكد ذلك هو أن “تبون” لم يشر للحرائق في لقائه الصحفي الأخير مع الإذاعة الجزائرية، حيث لم يتحدث في هذا اللقاء الصحفي عن الحرائق، لكنه تكلم عنها في خطابه الأخير تحت ضغط مواقع التواصلالاجتماعيالتينشرتصورابشعةلجريمةإحراق المناضل الفنان”جمالبنإسماعيل”، نتيجةمؤمراتترتيبالمخابراتالجزائرية لمؤامرة اغتياله، لأنها تعرف أنه من وجوه الحراك الشعبي السلمي، وأنه جاء إلى “تيزي وزو” تضامنا مع أهالي “القبايل”الذين يكرههم حكام الجزائر ويؤيدون لهم الموت، حيث عمدت هذه المخابرات إلى توقيف هذا المناضل، ثم قامت بترويج إشاعة ضده مفادها أنه هو الذي افتعل الحرائق. وقد كان هدف حكام الجزائر من وراء ذلك هو إشعال نار حرب أهلية في الجزائر ، وضرب التضامن مع منطقة “القبايل”، الذي عبر عنهالشعبالجزائريفيكافةولاياتالجزائر.كما أنالمخابرات الجزائرية قد مارست ضغوطا على 400 أسرة من ” خنشلة” بغية إرغامها على إرجاع أبنائها الذين هبوا للذهاب إلى “تيزي وزو”للتضامن مع أهاليها والمساهمة في إخماد الحرائق هناك. ومن المعلوم أن “تبون” لم يقم بإلقاء هذا الخطاب انطلاقا من ذاته، بل إن أسياده الجنرالات هم الذين أمروه بذلك.
وتفيدنا قراءة أولية لهذا الخطاب أنه خال من أي تسلسل منطقي
للافكار، حيث إنه يتضمن حكايات غير منسجمة، ولا متماسكة، ما جعله يعكس الضعف الفكري لـ “تبون” ومستشاريه وأسياده الجنرالات. كما يبدو أن هذا الخطاب قد تم ترقيعه، كأن الأمر يتعلق بخطابين، اثنين اقتطعت فقرات من النص الأول، كما اقتطع جزء من نص الخطاب الثاني، وبعد ذلك تم ضم هذه الأجزاء المقتطعة لتركيب نص واحد خال منأيمنطق..ونتيجةذلك،يبدوللقارئ،أوللمشاهدوكأن هذا الخطاب يتخلله حذف، جعله بدون معنى…
وأشار “تبون”إلى أن هذه الحرائق قد امتدت من “بليدة ” إلى “عنابة”، مرورا بـ “تيزي وزو”الأكثر تضررا من هذه الحرائق… كما قام “تبون” بإرجاع هذه الحرائق في جزء منها إلى الطقس، كما قال إنها راجعة في أغلبها إلى “أياد إجرامية”. لكنه لم يشر إلى الأيادي الإجراميةالتيافتعلتها، حيثإنهلميقدمأيةقرائنملموسةتؤكد ذلك. ويفيد إحجامه عن ذكر هذه الأيادي الآثمة عن أنه متورط مع أسياده الجنرالات في إضرام النار في مختلف الولايات الجزائرية…. وأضاف إلىذلكأنالدولةجندتكلالإمكاناتالماديةوالبشرية ووسائل النقل في كل الولايات التي التهمتها النيران. وذكر أنها ركزت على ” تيزي وزو”، لأنها تعرضت لأضرار بليغة، كما أن تضاريسها أكثر صعوبة، لا يعرفها إلا الذين يعرفون هذه الولاية جيدا. ويرى بعض الخبراء الجزائريين أن المقصود بإشارته إلى صعوبة تضاريس “تيزي وزو” هو أنه كان يرمي إلى اتهام حركة “الماك” وجماعة “رشاد” بكونهما تقفان وراء إضرام النار في مختلف المناطق الجزائرية. وهذا أمر لن يثق به أحد، لأن الشعب الجزائري يشير بأصابع الاتهام إلى حكام الجزائر ومخابراتهم، لأنه يعي أن إشعال النيران في عشرات المواقع وبنفس الطريقة، يؤكد أن المخابرات الجزائرية وراء كل ذلك. وللمزيد من التدليل على ذلك، فإن قناعة الشعب الجزائري بذلك دفعته إلى تنظيم مسيرة شعبية سلمية حاشدة في نهاية غشت ترحما على روح الشهيد “جمال بن إسماعيل” كما أنه قد سبق لهذا الشعب أن نظم جنازة مهيبة له. ويفتخر “تبون” أنه قد تم تجنيد طائرات مروحية، الأمر سخر منه بعض المتتبعين الجزائريين، لأن المروحيات ليست متخصصة في إخماد النيران. وأضاف “تبون” قائلا إنه قد أعطى تعليماته لـ “الوزير الأول”، منذ الحريق الأول، لتقوم “الحكومة” بإجراء اتصالات بالدول الأوروبية الصديقة لمدها بطائرات لإخماد النيران Canadair، لكنه
تأسف لأن هذه الدول لم تستجب في الحين، لأن طائراتها كانت منشغلة في إطفاء نيران الحرائق باليونان. وبعد إطفاء حرائق اليونان قدمت طائرتان فرنسيتان إلى منطقة “القبايل”. ومن المحتمل أنه ستتبعهما طائرتان إسبانيتان،. وبعد ذلك ستلتحق طائرة سويسرية . ويرى متتبعون جزائريون أن الحكومة الجزائرية لم تجر أي اتصال بالدول الأوروبية، حيث إن الرئيس الفرنسي قد فضح كذب “تبون”، لأنه منذ أن علم باندلاع الحرائق في الجزائر، قام بالتعبير عن تضامنه مع الشعب الجزائري، وأعلن أنه سيرسل طائرتين لإطفاء النيران إلى منطقة “القبايل”. ويرى خبراء في العلاقات الفرنسية الجزائرية أن “ماكرون”لم يقل دولة الجزائر، وإنما تحدث عن تضامنه وتضامن الشعب الفرنسي مع الشعب الجزائري، كما أنه قال إنه سيرسل طائرتين إلى “القبايل”، ولم يقل إلى الجزائر. وهذا ما لم يفهمه “تبون”، ولا أسياده، لأن تصريح “ماكرون”يعد، من الناحية الدبلوماسية، مسا بالسيادة الوطنية الجزائرية…
ومن اللؤم أن “تبون”لم يقم بأية إشارة إلى كل من تونس والمغرب، البلدين اللذين عرضا مساعدتهما على الجزائر، حيث أصدر ملك المغرب تعليماته للحكومة للاتصال بالمسؤولين الجزائريين ، وإخبارهم بتضامن المغرب، الذي هو مستعد لإرسال طائرتين لإخماد النار، حيث عبر بلاغ القصر الملكي عن تضامن المغرب ملكا وشعبا مع أشقائنا في الجزائر ، وأعلن استعداد المغرب لمساعدة الجزائر لمواجهة الظروف الصعبة التي تجتازها. هكذا، فقد لاحظ المتتبعون الجزائريون أن المغرب تكلم بطريقة جد مهذبة، احترم فيها الشعب الجزائري، وعبر فيها عن تعاطفه معه واستعداده للوقوف معه عبر تقديم المساعدة له. ورغم أن المغرب لم يقل ما قاله “ماكرون”، الذي خاطب حكام الجزائر، وكأنه يملكهم ويملك بلدهم، حيث أجاز لنفسه أن يقول ما شاء، دون احترام السيادة الجزائرية…ورغم ذلك فإن حكام الجزائر لم يردوا على عرض المساعدة، التي عبر المغرب عن استعداده لتقديمها لجاره الشقيق. ومن الخطير أن الشعب الجزائري تلتهمه النيران، وحكامه يرفضون المساعدات التي عرضها المغرب عليهم، ما يعني أن هؤلاء الحكام لا يهتمون بمعاناة الشعب الجزائري، ما ينم عن رغبتهم في فنائه، لأنهم يرفضون أي عرض أخوي للقيام بنجدة الشعب الجزائري. ونظرا لكون “تبون” وجنرالاته يشعرون بالنقص أمام الدول الأوروبية، التي قبل منها أن تعامله بدون احترام، فمن الغريب أنهم لم يقبلوا المساعدة التي عرضها عليهم المغرب. هكذا ، فقد قبل حكام الجزائر المساعدة من الجهة التي تحتقرهم، حيث سبق لها أن استعمرتهم لحوالي 130 سنة. وقتلت مليونا ونصف جزائري، كما أنها دمرت 200 قرية جزائرية… ومن الغريب أنهم لم يقبلوا المساعدة من إخوانهم المغاربة، الذين سبق لهم أن أسدوا الخير للجزائر، خصوصا أن المغرب يمتلك طائرات لإطفاء النيران Canadair. لكن لماذا هذا الرفض؟
يرى بعض الخبراء الجزائريين أن الجنرالات رفضوا هذه المساعدة، لأنهم يخافون أن يدرك الشعب الجزائري امتلاك المغرب لها، وعدم توفر الجزائر عليها، ما سيدفعه إلى اكتشاف القصور الفكري لحكام الجزائر، الذين لا يمتلكون فكرا استباقيا يمكنهم من القدرة على توقع الوقائع قبل حدوثها، كما أنه سيدرك أنه ليس لهم أي بعد نظر، ما يعني أنهم لا يستحقون قيادة الجزائر. أضف إلى ذلك، فالشعب الجزائري يعرف جيدا أن موارد حكام الجزائر تفوق موارد المغرب، خصوصا إن الجزائر بلد مصدر للبترول والغاز. وهذا سيجعل الشعب الجزائري يدرك أن الجنرالات قد نهبوا أمواله، وهربوها إلى الخارج، حيث سيعلم أن الخزينة الجزائرية فارغة من العملة الصعبة، الأمر الذي حال دون قدرة حكام الجزائر على اقتناء طائرات لإخماد النيران. فوق ذلك، إن جنرالات الجزائر لا يريدون أن يعرف الشعب الجزائري أن المغرب يمتلك خمس 5 طائرات لإطفاء النيران، لأنهم يعتقدون أن ذلك سيدفعه إلى الثورة عليهم، والحال أنه صار معلوما في مختلف أوساط الشعب الجزائري أن أمواله تنهب من قبل حكامه، كما أنها تنفق على مليشيات “البوليساريو”، حيث يقتني الجنرالات الأسلحة لهذه الميليشيات، التي تعيش في ظروف قاسية في مخيمات “تيندوف”، حيث صارت متذمرة نفسيا، لأنها تدرك أن أوهامها لا يمكن أن تتحقق، وصارت تعي أنه لا مستقبل لها، حيث بدأت تتسرب إلى ذهنها القناعة بضرورة العودة إلى الوطن، كما باتت تعي أن استمرارها في المخيمات هو محض انتحار.
ولسوء حظ الجزائر، فإن حكامها لا يدركون أن إقدامهم على احتضان جماعة انفصالية على أرض الجزائر هو تمهيد لخلق الشروط الداخلية لبروز حركات انفصالية داخل الجزائر.وهذا منتهى الضعف الفكري والسياسي…
ويقول الصحفيالجزائري”هشامعبود”إنإصرارالجنرالاتعلى إغلاق الحدود الجزائرية المغربية راجع إلى خوف حكام الجزائر من زيارة الشعب الجزائري للمغرب ، حيث سيكتشف أن المدن المغربية أفضل معماريا بكثير من المدن الجزائرية،كما أن البنيات التحتية المغربية جد متطورة..أضف إلى ذلك أن الاقتصاد المغربي أكثر تطورا ونموا وإنتاجا من الاقتصاد الجزائري…كما أن الجزائريين سيدركون أن مستوى المعيشة في المغرب أرقى من مستواها في الجزائر. لذلك، فبعد عودة الجزائريين إلى بلادهم، فإنهم سينتفضون ضد حكامهم، الأمر الذي قد يؤدي إلى رحيلهم . هكذا فإن إغلاق الحدود من قبل الجنرالات راجع أساسا إلى خوفهم من اكتشاف الجزائريين لإنجازات المغرب في شتى المجالات، الأمر الذي لم يستطع الجنرالات القيام به لصالح الجزائر وشعبها…
ونظرا لأن “تبون” قد حاول الظهور هو وجنرالاته بمظهر من يتشبثون بالوحدة الوطنية عبر تكرار ذلك مرارا في خطابه الأخير هذا. ويرى خبراء في شؤون حكام الجزائر أن حديث “تبون عن الوحدة الوطنية”هو مجرد ادعاء لذر الرماد في العيون، لأن من يروج لخطاب عنصري نازي ضد أهالي “القبايل”لا يؤمن بالوحدة الوطنية، بل إنه ينسفها، حيث إن العداء لأهالي “القبايل”يعكس فعلا إرادة تهميش هذه المنطقة وإقصائها ومحوها من على الكرة الأرضية، بل إنه يدل على ان الجنرالات ومخابراتهم هم الذين يقفون وراء الحرائق، ما جعل الجنرالات لا يهبون سريعا لإخماد النيران، خصوصا أنهم رفضوا المساعدة الأخوية الفورية التي عرضها عليهم كل من المغرب وتونس، وتركوا القبايل تحترق بدون شفقة، ولا رحمة. ونظرا لأن الجنرالات يبذلون كل ما في وسعهم للحيلولة دون تضامن مختلف الجهات والمناطق الجزائرية مع إخوانهم أهالي “القبايل”، فإن هذا يدل على أن هؤلاء الحكام هم ضد الوحدة الوطنية، بل إنهم يضربونها في العمق، لأنهم يرفضون إجماع الشعب الجزائري على مساندة “القبايل”، الأمر الذي أصابهم بالسعار، خصوصا أن الشعب الجزائري قد بات يجمع على رحيل هؤلاء الجنرالات، لأنه يرفضهم بغية بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة…