الصحافة _ كندا
إذا كان يُتم الفرد في غياب الأب أو الأم، فإن يُتم الجالية المغربية في الخارج هو يُتم من نوع آخر: يُتم سياسي ومؤسساتي عميق، تعانيه فئة عزيزة على الوطن، نذرت الغربة قدَرًا، وحملت الوطن في القلب، دون أن تجد من يحمل همومها، أو ينصت لصوتها، أو ينقل معاناتها بأمانة إلى من يملك القرار.
لقد شكلت الجالية المغربية، على مر العقود، ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، وحزام أمان اجتماعي لعشرات الآلاف من الأسر المغربية، كما ظلت حاملة لصورة المغرب في العالم، مدافعة عن وحدته الترابية، وثوابته المقدسة، ومبادراته التنموية. ومع ذلك، فإن التمثيلية السياسية والمؤسساتية لهؤلاء المواطنين تظل، بكل أسف، دون مستوى التضحيات ولا ترقى إلى حجم التطلعات.
مؤسسات بالجملة، ميزانيات ضخمة، وموارد بشرية وإعلامية متنوعة، ومع ذلك، يظل الأثر غائبًا، والإنصات مشلولًا، والتفاعل بطيئًا، بل منعدمًا. مسؤولون بعضهم استراح إلى ماضيه المهني والسياسي، وآخرون تقاعدوا وهم لا يزالون على رأس مؤسسات، يديرونها بلغة الخشب، ويُصدرون مقالات ونصوصًا لا تُغني ولا تُسمن من جوع، تنشر على منصات خافتة، مقابل دعم مالي سخي، في وقت ينتظر فيه أبناء الجالية حلولًا ملموسة لقضاياهم المتراكمة.
كيف يُعقل أن تظل الجالية رهينة تمثيليات جامدة، وبعضها غير قادر على الحركة أو التفكير أو الترافع الحقيقي؟ كيف نفهم أن تُصرف على مؤسسات الهجرة ميزانيات تفوق أحيانًا ميزانيات وزارات بكاملها، في حين لا تحقّق هذه المؤسسات الحد الأدنى من الأهداف المسطرة في خطب جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي ما فتئ يوصي في كل مناسبة بضرورة العناية بمغاربة المهجر، وفتح المجال أمام كفاءاتهم للمساهمة في تنمية الوطن؟
من ذا الذي يحمل التقارير الحقيقية إلى من يهمه الأمر؟ من يجرؤ على القول إن الجالية تشعر باليُتم المؤسساتي؟ من يعترف أن واقع التعيينات لم يعد يعكس الكفاءة بقدر ما يعكس منطق الريع، والولاء، وإعادة تدوير الوجوه المستهلكة؟
إن مغاربة العالم اليوم لا يطلبون امتيازات، ولا يبحثون عن امتنان، بل يطالبون بحقهم الدستوري في تمثيلية فاعلة، ومؤسسات حقيقية، ومسؤولين قادرين على التفاعل مع قضاياهم، والدفاع عن مصالحهم، والمرافعة عن حقوقهم داخل الوطن وخارجه. وهم في الآن ذاته، يُدركون أن وطنهم، بقيادة جلالة الملك، قادر على تصحيح المسار، وإعادة الاعتبار لهذه الشريحة التي كانت، وستظل، جزءًا لا يتجزأ من المشروع المغربي الحداثي التنموي.
لقد آن الأوان لوقفة تقييم شجاعة، تُفتح فيها نوافذ الأمل أمام كفاءات الجالية، ويُغلق فيها باب المحاباة والعجز الإداري. آن الأوان لقول الحقيقة كاملة: الجالية تُعاني يُتمًا مؤسساتيًا، ويجب أن يُفتح ورش عميق لإعادة هيكلة المنظومة المرتبطة بها، وفق منطق النجاعة والمحاسبة وربط المسؤولية بالنتائج، لا بالألقاب والذكريات.
فكما قال جلالة الملك في خطاب العرش لسنة 2022: “ما يهمني، هو أن يتم تمكين أبناء الجالية من كل الآليات التي تتيح لهم المساهمة الفعلية في التنمية، وأن يجدوا أمامهم مؤسسات تعمل بجدية وفعالية في خدمتهم، أينما كانوا.”
وللأسف، لا تزال هذه الكلمات تُواجه بجدران الصمت والركود. والنداء اليوم مرفوع إلى من بيدهم القرار: كفى من تهميش الجالية، وكفى من تعيينات تُكرس الجمود، فالزمن لم يعد يحتمل التردد، والمرحلة تقتضي التغيير الجذري، بعقلية جديدة، ومسؤولين جدد، وإرادة سياسية صادقة تُعيد الجالية إلى مكانتها اللائقة في صلب المشروع الوطني الكبير.