المُشرَّد الذي هزمَ فيروس كورونا!

17 مارس 2020
المُشرَّد الذي هزمَ فيروس كورونا!

بقلم: عبد المجيد مومر الزيراوي*

إلى كل الذين يعيشون بلا مأوى يحميهم من العدوى .. الرحمان معكم!

جملة ما ملَك و إمْتَلَك،
حروف يضمُّها إليهِ ،
نبَضاتُ القلب أمَلٌ!،
ليس بيَمينِه
عَدَا اللِّحاف الرثّ البالي !
و دَمْعُ العيون هَطْلٌ!
أين المفرُّ ؟
سؤال المُشرَّد المنْبوذِ !
مُحاصَرٌ بلاَ مَسْكَن !
الفيروس من أمامِه،
و من الوراء قَساوَة سياساتِهم ..

هُم كانوا هنا
و لم يكونوا معه ،
كانوا أمامه ؛
جَيْئَةً و ذهابًا
يتَناوبُون على دَكِّ الرصيف
بعَضائد أنْعالِهم ..

روائح العطور الفاخرة ،
نظرة العيون الساخرة،
لامبالاة العقول القاصرة،
كان المشرد حينَ كانَ
يراقب تحركاتِهم..
يتأمل رنينَ دُريْهماتِهم..
يرمُقُ ما تيَسَّر من حنانِهم!
أو ما اسْتَيْسَر من كلِماتِهم..

و لأن المشرد لا يملك شيئا؛
كان الدعاء مقابل عطائِهم..
فقط ” الله يحفظكم”
قلب المُشرد سليمٌ،
و المارَّة لا يعلمون!
كان يأنس برُؤيتِهم!
و رغم الفوارق
عاشَ صباح مساء
سعيدا بانتظارِهم ..

و حين يأتي الليل؛
كان يُتَمْتِم وحيدًا :
غدًا إن شاء الله !
سأسمع صوت أقدامِهم،
سأرى جديد صنائِعهم،
ثم ينام على الرصيف
مطمَئنًا راضيًّا مرضيًّا!
كَيْ يستيقظ من جديد،
ليجد الرصيف خالٍ !
لا أرجل فوق المكان!
كورونا غيَّرت الزمان!
و إنَّهُ المشرد :
المنسيُّ في زمن الحضارة !
الأميُّ في زمن التكنولوجيا
و الهواتف الذكيَّة!،
و إِنَّه المُشرَّد :
لا يشاركونَه اللايْكَاتْ
عبر السوشيال ميديا،
هذا المشرد خارج
شبكات التواصلِ،
و لأنه تحت
طائلة التجاهلِ،
لم يصلهُ خبر الفيروس!
لم يتَفَضَّل أحد عليه
بالنشرة الهامة!
نعم لم يبالي به أحد!
و لأنَّه في الله أحبَّهم،
ظل ينتظر
و ينتظر و ينتظر،
ثم ضَلَّ تائِها في انتظارِهم ..

ضرب الأخماس في الأسداس:
ربما كان الأحد طويلا،
ربما غيروا الشارع قليلا،
ربما ملُّوا من رؤيتي
ربما أثقلْت كَواهِلَهم!
و لأنه لا يدري
و لا يدري أنه لا يدري!
وقف ناهضا ؛
حمل اللحاف فوق كتفَيْه،
و راح يجوب الشوارع
باحثا عن آياتِهم..

سمع نداء الآذان:
الله أكبر .. الله أكبر !
فَظنَّ أنهم بالمسجد ،
جلس أمام المصلى
عَلَّ الجامع يجمعُهم!
فانتظر و نظر؛
الآن ظنَّ أنَّه مُلاقِيهم !
حَمْلَقَ مليا،
وَ لم يأت أحد للصلاة!
نادى المشرد:
ربَّاه يا ربَّاه
حتى بيوتُكَ خاوية!
أين غاب أهلُها؟
أنا أسأل عنهم،
إنِّي و الله أُحبُّهم،
أنا المشرد أشتاق للمارَّة!
بل أين غابوا عني؟
أنا لا أريد دَراهِمَهم!

عودوا يا أحبَّتي عودوا !
لا أحزنكم الله !
كرَّرها عشرات المرات!
الله يحفظكم ..
الله يحفظكم ..
الله حافظكم كلّكم!
فجأة سمع صوتا،
قال المؤذن : آمين!
رد المشرد : أجمعين !
قال المؤذن:
غاب الذين تُخاطِبُهم!
أ لا يُرهبك فيروس كورونا!
أ لمْ تسمع بحظر التجوال؟
أ لا تخاف من العدوى!
سأرمي لك بعض الطعام،
ثم إرحل من هنا ؛
هيا إرحل بعيدا
إنقضى زمن ولائِمهم!..

ردَّ المشرد:
الله يحفظك..
أنا لا أريد الطعام!
الله يحفظك..
إني سائلُكَ عن الناس؟
أنا أريد أَجْرَ عيادَتِهم!

قال المؤذن :
هذا الوباء خطير
خبيث و سريع الانتشار !
الجُلُّ عزل نفسه !
و الباقي محجور عليهم!
و أنت كالمجنون
أراك تريد الانتحار!
لقد أنذرتك
و به نهاية الحوار!
صاح المشرد :
حفظنا الله أيها المؤذن،
و هو الرحمان حافِظُهم !

ثم هَمْهَمَ المُشَرَّدُ :
سأقتل هذا الفيروس !
الذي عنِّي غَيَّبَهُم ،
عشرون سنة و أنا
أعيش التَّشردَ،
عشرون سنة و أنا
أقاوم الترددَ،
مناعَتي قوية
الآن سأعلن التمردَ،
بلا مأوى جسدي مِخْبرٌ،
أنا المُختَبر عيوني مجهرٌ،
بلْ أنا مقبرة الفيروسات!
الويل لِكُوفيد 19!
هَا.. أَنَا .. ذَا
أطلقت التّوَعُّدَ،
أنا هازم كورونا!
و أعلم من الله ما
لا تعلمون!
لاَ خوف عليكُم
و لا أنتم تحزنون!
هذه الصلاة زكاةُ أُعطِيَّاتِهم ..

عند بوابة المستشفى؛
نادى المُشرد
بصدق الإحساس:
أعوذ برب الفلق
من شر ما خلق!
يا رب اللُّطْفِ الخافي!
يا رب الجنة و الناس !
يا شافي يا كافي !
إشْف جميع أحبَّتي !
فَهَرعَ نحوَهُ كل الناس،
المُشرد لم تُصِبْه العدوى!
المُشرد لم تُصِبْه العدوى!
البشرية تناقَلَت الخبرَ،
المُشرد هزَمَ كورونا فيروس!
عبْقَريُّ المختبرات إنْبَهرَ ،
هَكَذا انكشفَ غَمُّ الجَائِحَة!
هَكَذا المُشرَّد بالمعجزة ظهرَ ،
فاركعوا للرحمان و أسجدوا
و أشكروا الله يُؤَمِّن رَوْعَاتِكم !

*شاعر و كاتب مغربي

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق