الصحافة _ كندا
في خطابه السامي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، قدّم الملك محمد السادس توجيهًا استراتيجيًا للحكومة، داعيًا إلى مقاربة جديدة في صياغة السياسات العمومية، عنوانها العدالة المجالية والإنصاف الاجتماعي، وهدفها الأسمى تحسين معيش المواطن في العمق، وليس فقط عبر المؤشرات.
إنه خطاب يضع مشروع قانون مالية 2026، وهو الأخير في عمر الحكومة الحالية، على محك التحول الحقيقي من التدبير إلى التغيير، ومن التكرار المحاسباتي إلى الرؤية المندمجة ذات الأثر الواضح.
فالرسائل الملكية كانت حاسمة، وحددت بوضوح أربع أولويات كبرى يجب أن تؤطر روح القانون المالي المقبل:
1. دعم التشغيل المحلي والجهوي، ليس فقط عبر إحداث فرص شغل، بل من خلال تثمين الإمكانات الترابية وتحفيز الاستثمار في الجهات، في انسجام مع ميثاق الاستثمار الجديد ومنظومة المراكز الجهوية.
2. تقوية الدولة الاجتماعية، كخيار لا رجعة فيه، يشمل النهوض بجودة المدرسة العمومية، استكمال تعميم التغطية الصحية، وتعزيز البنيات التحتية الاجتماعية ذات الأثر المباشر على الكرامة الإنسانية.
3. تدبير مستدام للموارد الطبيعية، على رأسها الماء، حيث دعا الملك إلى الانتقال من منطق الطوارئ إلى منطق الاستباق في السياسة المائية، في مواجهة تحديات الإجهاد المائي وتغير المناخ.
4. التأهيل الترابي المندمج، بوصفه رافعة مركزية لتحقيق العدالة التنموية وتعزيز تنافسية الجهات وربطها بالأوراش الوطنية الكبرى.
المحللون يرون أن الخطاب الملكي لا يترك للحكومة هامش التأويل، بل يفرض التزامًا صريحًا بترجمة التوجيهات العليا إلى أولويات مالية قابلة للتنفيذ، وفق برمجة دقيقة ومؤشرات للتتبع والتقييم، وتنسيق مؤسساتي فعّال يشمل الجماعات الترابية والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين.
إننا أمام لحظة فارقة في التاريخ المالي والسياسي للمغرب: فإما أن يكون قانون مالية 2026 بداية لمسار تنموي مغاير يستعيد ثقة المواطن، أو يبقى مجرد وثيقة محاسباتية أخرى في رفوف الإدارات.
الرسالة الملكية واضحة: لا تنمية بدون عدالة مجالية، ولا عدالة بدون رؤية مندمجة، ولا رؤية بدون شجاعة في الاختيارات.