الصحافة _ كندا
وسط أزمة جفاف خانقة تضرب المغرب منذ سنوات، يترقب المزارعون والمواطنون على حد سواء ما ستأتي به الأشهر المقبلة من أمطار، في ظل أوضاع مائية وزراعية تزداد تعقيدًا بفعل شح التساقطات وارتفاع درجات الحرارة. وبينما تشير التوقعات إلى احتمال تحسن نسبي في معدلات الهطول خلال مارس وماي 2025، تبقى الأسئلة الكبرى مطروحة: هل سيكون ذلك كافيًا لتعويض آثار الجفاف؟ أم أن الضرر أصبح هيكليًا ولا رجعة فيه على المدى القريب؟
وفقًا لتقرير حديث صادر عن برنامج الأغذية العالمي، شهد المغرب معدلات أمطار أقل من المتوسط خلال عام 2024، ما أدى إلى تفاقم أزمة الجفاف التي يعاني منها منذ 2022. النقص الحاد في التساقطات لم ينعكس فقط على الزراعة، بل أثر بشكل مباشر على مخزون المياه الجوفية ومستويات السدود، مما دفع العديد من المزارعين إلى تقليص المساحات المزروعة أو اللجوء إلى تقنيات ري مكلفة تزيد من الأعباء المالية عليهم.
الخبير الزراعي محمد العلوي يحذر من خطورة الوضع، مشيرًا إلى أن “منسوب المياه الجوفية في تراجع حاد، والسدود الرئيسية لم تصل حتى إلى نصف طاقتها التخزينية، وهو ما يهدد موسم الزراعة المقبل بشكل غير مسبوق”. أما على مستوى الإنتاج الفلاحي، فقد تكبدت محاصيل الحبوب—العمود الفقري للأمن الغذائي المغربي—خسائر كبيرة، مما أجبر البلاد على زيادة وارداتها لتغطية العجز.
رغم هذه الصورة القاتمة، يحمل الربع الأول من عام 2025 بصيص أمل، إذ تتوقع الهيئات المناخية تحسنًا طفيفًا في التساقطات خلال الأشهر القادمة، مما قد يخفف من شدة الجفاف في بعض المناطق. لكن وفقًا للباحث المناخي عبد الرحمن بن مسعود، فإن أي هطول متوقع “لن يكون كافيًا لتعويض سنوات من العجز المائي، لأن التربة المنهكة والمياه الجوفية المستنزفة تحتاج لوقت طويل قبل أن تستعيد عافيتها”.
الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية لأزمة الجفاف لا تقل خطورة عن أبعادها البيئية. فقد أدى ضعف الإنتاج الزراعي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مما أثر بشكل مباشر على معيشة الفئات الهشة، خاصة في المناطق القروية. ويؤكد حسن الإدريسي، أحد مزارعي بني ملال، أن “الأمطار لم تعد تكفي، والتربة أصبحت قاحلة، والزراعة باتت مغامرة غير محسوبة العواقب”.
إزاء هذه التحديات، يظل الحل وفق الخبراء في اعتماد سياسات مائية وزراعية أكثر استدامة، بما في ذلك تخفيف العبء الضريبي على الفلاحين، وتوسيع مشاريع تحلية المياه، وإعادة تشغيل مصفاة “سامير” لضمان الأمن الطاقي والحد من التكاليف المتزايدة في القطاع.