الصحافة _ كندا
تتجه الأنظار اليوم، الجمعة 31 أكتوبر 2025، إلى مقر مجلس الأمن الدولي بنيويورك، حيث يُرتقب التصويت على مشروع قرار متقدم بشأن قضية الصحراء المغربية، في لحظة دبلوماسية مفصلية تُتوَّج بها مسيرة طويلة من العمل الاستراتيجي الهادئ الذي قاده المغرب تحت الرؤية المتبصّرة للملك محمد السادس. هذا القرار الأممي المرتقب لا يمثل مجرد محطة إجرائية في مسار النزاع الإقليمي، بل هو تعبير عن تراكم إنجازات دبلوماسية متينة رسخت الموقف المغربي في الوعي الدولي، وحولت قضية الصحراء من ملف نزاع إلى نموذج سيادة وتنمية وشرعية واقعية.
لقد كانت الرؤية الملكية منذ اعتلاء العرش مبنية على مبدأ الوضوح والشمولية والبعد الاستراتيجي، وهي رؤية تجاوزت الحسابات الظرفية إلى مشروع وطني طويل المدى. فالمغرب لم يكتف بالدفاع عن وحدته الترابية في أروقة الأمم المتحدة، بل جعل من التنمية في الأقاليم الجنوبية سنداً ميدانياً للشرعية السياسية والقانونية، مستثمراً في الإنسان والبنية التحتية والاندماج الجهوي كأقوى حجة أمام المجتمع الدولي.
وتميزت الدبلوماسية المغربية خلال العقدين الأخيرين بقدرتها على الجمع بين المرونة السياسية والصرامة المبدئية، حيث وُضعت قضية الصحراء في صميم الثوابت الوطنية باعتبارها قضية وجود وليست مجرد ملف تفاوضي. هذا النهج جعل المغرب يمر من موقع الدفاع إلى موقع الفعل الاستباقي، مقدماً مبادرة الحكم الذاتي كإطار واقعي للحل النهائي، وهو ما أقرته كبرى العواصم والمنظمات الإقليمية باعتبارها الخيار العملي والوحيد القادر على إنهاء النزاع المفتعل.
العمل الدبلوماسي المغربي لم يقتصر على القنوات السياسية التقليدية، بل شمل أبعاداً اقتصادية وثقافية وإنسانية جعلت من المغرب قوة هادئة ومؤثرة في إفريقيا والعالم العربي. فمنذ سنوات، انخرطت المملكة في سياسة إفريقية جديدة قائمة على التضامن الفعلي والتعاون جنوب-جنوب، تُوجت بأكثر من خمسين زيارة ملكية إلى ثلاثين بلداً إفريقياً، تم خلالها توقيع مئات الاتفاقيات في مجالات الطاقة والفلاحة والبنية التحتية والتعليم. وعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 لم تكن مجرد عودة رمزية، بل كانت استعادة استراتيجية لموقعه الطبيعي كفاعل قارّي يدافع عن مصالحه من داخل المؤسسات القارية.
وعلى الصعيد العربي، ظل المغرب وفياً لمواقفه المبدئية، مساهماً بفاعلية في دعم الاستقرار والتنمية في المنطقة، ومدافعاً عن القضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث يضطلع الملك محمد السادس بدور محوري بصفته رئيس لجنة القدس، من خلال مبادرات إنسانية ودبلوماسية تعزز السلم والعدل. كما تميزت السياسة الخارجية المغربية بعلاقات متينة مع دول الخليج والمشرق، قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون العملي في قضايا الأمن والتنمية والاستثمار.
أما على المستوى الدولي، فقد نجح المغرب في تنويع شراكاته، معززاً استقلال قراره السيادي. فالعلاقات مع الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة صارت اليوم أكثر وضوحاً في دعمها الصريح للموقف المغربي من قضية الصحراء، فيما تمكّن المغرب من بناء علاقات متقدمة مع القوى الصاعدة في آسيا وأمريكا اللاتينية، ما جعله جسراً حضارياً واقتصادياً بين الشمال والجنوب. وبفضل هذه المقاربة المتوازنة، رسّخ المغرب مكانته كفاعل موثوق داخل المنظومة الأممية، حيث تشير المعطيات إلى أن أكثر من 125 دولة، أي ما يعادل ثلثي أعضاء الأمم المتحدة، تدعم الموقف المغربي وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي الحل الوحيد الجاد والواقعي للنزاع.
لكن النجاح الدبلوماسي لم يكن وحده كافياً، إذ حرص المغرب على أن تتجسد هذه الرؤية في الميدان من خلال التنمية الشاملة للأقاليم الجنوبية. فمنذ إطلاق النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية سنة 2015، تحولت مدن العيون والداخلة والسمارة إلى أقطاب اقتصادية ناشئة، باحتضانها لمشاريع استراتيجية مثل ميناء الداخلة الأطلسي وشبكات الطاقة المتجددة والطرق السريعة والمناطق الصناعية والتجارية. لقد انتقل المغرب من مرحلة “إثبات السيادة” إلى مرحلة “تثبيت التنمية”، حيث أصبحت الصحراء المغربية مثالاً على الاندماج بين الأمن والتنمية.
إن التصويت المرتقب في مجلس الأمن اليوم ليس سوى محطة جديدة في مسار طويل رسم ملامحه الملك محمد السادس بثبات وحكمة. فهو تأكيد إضافي على أن العالم أصبح أكثر اقتناعاً بأن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الواقعي والمستدام. ومع كل قرار أممي جديد، يزداد ترسخ هذا المسار الذي جمع بين الدبلوماسية الهادئة، والتنمية الفعلية، والرؤية المتبصرة لملك جعل من قضية الصحراء جوهر السياسة الخارجية ومرآة لقوة الدولة المغربية.
بهذا، تكتمل حلقة أخرى من مسار استراتيجي بدأ بمسيرة خضراء على الأرض، وتواصل اليوم بمسيرة دبلوماسية وتنموية على الساحة الدولية، تؤكد أن الصحراء كانت وستظل مغربية بالفعل والتاريخ والقانون، وأن الرؤية الملكية هي البوصلة التي أعادت رسم خريطة التوازن في المنطقة لصالح المغرب، بثقة، وحكمة، وشرعية لا تتزعزع.

 
						 
		 
		













