المغرب على سكة المستقبل.. بين استراتيجيات الملك ورهانات الجيل الجديد

30 يوليو 2025
المغرب على سكة المستقبل.. بين استراتيجيات الملك ورهانات الجيل الجديد

الصحافة _ كندا

في صيف 1999، جلس شاب ثلاثيني على عرش مملكة ضاربة في عمق التاريخ. كان المغرب حينها يرزح تحت عبء انتقال دقيق، بين إرث سياسي واجتماعي ثقيل وتطلعات شعب يبحث عن النهوض والكرامة. ستة وعشرون سنة بعد ذلك، يقف المغرب اليوم شامخًا، واثق الخطى، وقد تحوّل إلى قوة إقليمية صاعدة، تسير بثبات نحو نادي الدول الصاعدة، مستندًا إلى رؤية ملكية بعيدة المدى، أرسى دعائمها محمد السادس منذ اليوم الأول لتوليه العرش.

إن استقراء التجربة التنموية المغربية تحت القيادة الملكية، لا يمكن اختزاله في لغة الأرقام فقط، وإن كانت الأرقام ناطقة بإنجازات كبرى، بل في فلسفة التحول التي جمعت بين الواقعية والطموح، بين العناية بالإنسان والانكباب على تأهيل التراب، وبين تثبيت السيادة الاقتصادية وتحصين الاستقلال الاستراتيجي.

لقد أبان المغرب، في خضم أعتى الأزمات التي عرفها العالم خلال العقدين الأخيرين، من جائحة كوفيد إلى ارتدادات الحرب في أوكرانيا، عن قدرة استثنائية على الصمود والتكيف. وبشهادة المؤسسات المالية الدولية، لم ينهر اقتصادنا، بل راكم مزيدًا من الثقة والإشعاع الجيو-استراتيجي، في وقت انهارت فيه اقتصادات دول أكثر ثراء وتوفرًا على الموارد.

وإذا كان لا بد من تحديد “سرّ المعجزة المغربية”، فإنه يكمن في مشروع تنموي متكامل، جعل من الإنسان قطب الرحى، ومن البنية التحتية القاعدة الصلبة لكل تحول. فلا تنمية دون طرق، ولا استثمار دون موانئ، ولا كرامة دون صحة وتعليم وحماية اجتماعية.

اليوم، نرى ما كان يُعتبر “حلمًا مستحيلًا” في الماضي، يتحقّق أمام أعيننا: قطار فائق السرعة يربط طنجة بالدار البيضاء، بنية مطارية تُضاهي المعايير الأوروبية، ميناء طنجة المتوسط يتحول إلى قطب عالمي، مشاريع الهيدروجين الأخضر تنطلق بثقة، وملاعب كروية بمعايير “فيفا” تتشكل في أفق احتضان كأس العالم 2030.

لكن خلف هذه الإنجازات، يقف عامل حاسم: قيادة ملكية تمتلك وضوح الرؤية، وتتقن فن الإصغاء للمستقبل. إنها قيادة تدرك أن النهوض ليس فقط بجدران الإسمنت، بل ببناء الإنسان المغربي؛ ولهذا جاء ورش الحماية الاجتماعية ليشكل “ثورة ناعمة”، عميقة الأثر، تستهدف تأمين الكرامة لكل مواطن، من الرضيع إلى الشيخ.

ما يُثير الإعجاب حقًا هو أن هذا الحراك التنموي لا يتم وفق منطق المركزية العتيقة، بل في سياق جهوية متقدمة، تروم رفع العزلة عن القرى والجبال، وربط المغرب العميق بشبكة الفرص، مع ضمان العدالة المجالية، لا فقط العدالة الاجتماعية.

نحن أمام مغرب جديد، لا يكتفي بالتأقلم مع المتغيرات، بل يصنع الحدث ويستبق الزمن. مغربٌ لا ينتظر دعوات الإلحاق بالركب، بل يجر القارة الإفريقية معه نحو المستقبل. مغربٌ أصبح شريكًا موثوقًا في الأمن الطاقي والغذائي العالمي، ومركزًا متقدمًا في سلاسل القيمة الصناعية العالمية.

ولأننا نعيش زمن التحولات الكبرى، فإن التحدي اليوم لا يكمن فقط في المحافظة على المكتسبات، بل في تعميقها وتسريعها. الجيل الجديد من السياسات العمومية يجب أن يترجم روح النموذج التنموي الجديد، ويقطع مع زمن “الزمن البطيء”. علينا أن نشتغل بالسرعة التي تليق بطموحات شعب يرفض أن يظل في الرواق الخلفي للتاريخ.

ختامًا، نقولها بيقين: المغرب الذي نحتفل به اليوم هو ثمرة رؤية ملكية استباقية، وعمل مؤسساتي متراكم، وإرادة شعب لا يستسلم. هذا البلد لا يعود القهقرى، بل يمضي قُدمًا، بلا تردد، نحو مغرب 2030… مغرب القوة العاقلة، والإشعاع المتوازن، والموقع الذي يليق به في قلب العالم.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق