الصحافة _ كندا
في خضم التصعيد السياسي المستمر بين المغرب والجزائر، تواصل الجارة الشرقية سياسة الهروب إلى الأمام عبر فبركة الأزمات المفتعلة، وهذه المرة جاء ملف المياه ليضاف إلى قائمة الادعاءات التي تحاول من خلالها تحميل المغرب مسؤولية فشلها الداخلي. فبعد اتهامها الرباط بـ**”التجفيف المتعمد”** للمناطق الحدودية بسبب بناء سد قدوسة، تتكشف معطيات دقيقة تنسف هذه الرواية، وتفضح جذور الأزمة المائية الجزائرية التي تعود إلى عقود من سوء التدبير وانعدام رؤية استراتيجية حقيقية.
واد كير، الذي يشق طريقه من جبال الأطلس الكبير الشرقي بالمغرب قبل أن يتحول إلى واد الساورة داخل الأراضي الجزائرية، أصبح مادة دسمة لحملة تضليل ممنهجة. الجزائر تدعي أن بناء المغرب لسد قدوسة تسبب في تقليص تدفق المياه نحو سد جرف التربة بنسبة الثلث، في حين تؤكد التقارير المستقلة أن التراجع لم يتجاوز السدس إلى الثمن، وهو مستوى يتماشى مع المعايير الدولية في تقاسم المياه العابرة للحدود.
الأزمة الحقيقية التي تحاول الجزائر التغطية عليها ليست وليدة سد مغربي، بل هي نتاج عقود من الإهمال وسوء الإدارة. فقد أكدت تقارير البنك الدولي أن الجزائر تفقد أكثر من 35% من مياهها الصالحة للشرب بسبب البنية التحتية المهترئة، مقارنة بالمغرب الذي قلص هذه النسبة إلى أقل من 20% بفضل تحديث منظومته المائية. وعلى عكس الرباط، التي تبنّت سياسة مائية استباقية ببناء أكثر من 149 سدًا بسعة تفوق 19 مليار متر مكعب، لا تزال الجزائر عاجزة عن تطوير بنيتها التخزينية وتحلية مياه البحر بشكل فعال، حيث لا تتجاوز طاقتها الإجمالية 2.3 مليون متر مكعب يوميًا، مقابل 3.5 مليون متر مكعب في المغرب.
في الواقع، الجزائر بدلًا من الاعتراف بفشلها في تدبير مواردها، تحاول استخدام ملف المياه كسلاح دعائي ضد المغرب في المحافل الدولية، متناسية أن القوانين المنظمة للمياه العابرة للحدود ترتكز على التشاور والتفاوض وليس التصعيد الإعلامي والمزايدات الدبلوماسية. لكن ما الهدف من هذه المسرحية السياسية؟
المغرب لم يبنِ سدوده بدافع سياسي، بل في إطار استراتيجية وطنية طموحة لضمان أمنه المائي. في المقابل، تصر الجزائر على البحث عن شماعة تُعلق عليها أزماتها بدل مواجهة حقيقتها المريرة: نظام غير قادر على تأمين أبسط احتياجات شعبه. فإلى متى ستظل الجزائر ترمي بفشلها في وجه المغرب بدل القيام بالإصلاحات الجذرية التي تحتاجها حقًا؟