بقلم: الطاهر الطويل*
تناقلت مجموعة من القنوات التلفزيونية العالمية مَشاهد مختلفة للمسيرة التي نظّمها مئات الآلاف من المواطنين المغاربة يوم الأحد المنصرم، في شوارع الرباط، تضامنًا مع كفاح الشعب الفلسطيني من أجل استرداد حقوقه المشروعة.
هذا ليس بجديد على المغاربة، فمن المألوف أنهم يُعبِّرون في أكثر من مناسبة عن مساندتهم لأشقائهم الفلسطينيين؛ لكن الجديد أن المسيرة الأخيرة جاءت أيضا ردًّا على ما سُمّي بـ«صفقة القرن» التي أعدّ طبختها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. إنها الجواب الشعبي السريع والتلقائي الذي يؤكد أن فلسطين ليست للبيع، وأن حقوق أهلها الشرعيين لن تقبل المساومة، ولن تسقط بفعل التقادم.
ومن جهة ثانية، فمسيرة الرباط أتت كذلك بمثابة جواب على التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الأسبوع الماضي في البرلمان، حينما قال: لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم! ومن ثم ورّط «بوريطة» نفسه في «توريطة»، لأن ذلك الكلام غير المسؤول يتعارض مع الموقفين الرسمي والشعبي في المغرب من القضية الفلسطينية.
فهل كان العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني فلسطينيا أكثر من الفلسطينيين، حينما دعا إلى اجتماع عاجل للقادة العرب إثر قيام الصهاينة بإحراق المسجد الأقصى عام 1969؟ وكذلك حينما حظي برئاسة لجنة القدس بتأييد من مختلف البلدان الإسلامية، وهي الرئاسة التي آلت إلى ولي عهده الملك محمد السادس.
وهل كان المغرب فلسطينيا أكثر من الفلسطينيين، وهو يحتضن المقر الدائم لوكالة بيت مال القدس الشريف التي تنفّذ برامج متعددة لفائدة القدس والمقدسيين؟
وهل ينسى وزير الخارجية ناصر بوريطة أن للمغاربة أوقافا في القدس الشريف منذ عقود عديدة، وأنهم حين كانوا يؤدّون مناسم الحج، يولّون وجوههم شطر تلك البقاع الفلسطينية، قبل التوجه إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة؟
هل ينسى أيضا أن للمبدعين المغاربة علاقة وجدانية قوية مع فلسطين، جسّدوها في نصوصهم الشعرية والقصصية وفي عروضهم المسرحية وأفلامهم السينمائية؟ فهل كانوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم والحالة هذه؟
المثير للانتباه أن حديث بوريطة تزامن مع ترويج أوساط «إسرائيلية» لإشاعة مفادها، أن واشنطن ستقايض الرباط الموافقة على صفقة القرن مقابل اعترافها بمغربية الصحراء.
والمرادُ من هذه الإشاعة مجرد جس النبض لمعرفة مدى استعداد المغاربة للتخلي عن مساندة الفلسطينيين. لكن أصحابها نسوا أن أحفاد يوسف بن تاشفين لا يشككون مطلقا في انتماء الصحراء لوطنهم الأم، حتى ينتظروا اعترافا من الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهل تنكر هذه الأخيرة أن المغرب كان أول دولة تعترف بها، حين إنشائها سنة 1787؟
صراع إيديولوجي بغطاء اقتصادي
بعد التهديد بتمزيق اتفاقية التبادل الحر، عاد وزير التجارة والصناعة المغربي، حفيظ العلمي، إلى الهمز واللمز تجاه تركيا، صراع ظاهره اقتصادي وباطنه إيديولوجي، يندرج في سياق موازين القوى العالمية. فقد شوهد الوزير المذكور خلال النقل التلفزيوني لجلسات البرلمان، وهو يهدد بالإغلاق أسواق «بيم» التركية الموجودة في عدد من المدن المغربية إذا لم تخصص نصف معروضاتها للمنتجات المغربية، كاشفا أن الاكتساح التركي تسبّب في إغلاق ستين محلا تجاريا محليا.
إسلاميو المغرب، ممثلين في الحزب الحاكم «العدالة والتنمية»، هبّوا لنصرة تركيا. وتساءلوا: لماذا يغضّ المسؤول الحكومي المغربي الطرف عن الاكتساح الاقتصادي الصيني، وعن أسواق تجارية كبرى، وكذا عن تبعية بلاده للاقتصاد الفرنسي؟
مصدر من داخل الشركة التركية ردّ بالقول في تصريحات صحافية: إن أسواق «بيم» تبيع فعلا منتجات مغربية بنسبة 85 في المائة، أما النسبة المتبقية (15 في المائة) فهي فقط منتجات واردة من تركيا إلى المغرب، والعهد عليه.
المراقبون يربطون هذا الصراع بين المغرب وتركيا بمواقف أطراف عربية وغربية متعددة من السياسة المتبعة حاليا من لدن حكام أنقرة، والتي يرون فيها محاولة لبعث الحلم العثماني من الرماد بنزعة قومية وميول توسعية.
«قتل» الفنانين والإعلاميين
قد يفهم المرء سعي بعض المواقع الإلكترونية إلى الإثارة، بحكم طمعها في الربح السريع من خلال العناوين البراقة الخادعة، لكن ما لا يمكن فهمه ولا استساغته أن تقوم تلك المواقع بالكذب واختلاق قصص وهمية والافتراء على الناس وترويج إشاعات على أساس أنها أخبار صحيحة. والمؤسف حقا أن يسقط الكثيرون ضحية تلك الأكاذيب، فيصدقونها ويعملون على ترويجها عبر مختلف شبكات التواصل الاجتماعي.
آخر ضحايا هذا السلوك الوضيع أحد الإعلاميين القيدومين في المغرب: علي حسن الذي اشتهر ببرامجه السينمائية في التلفزيون المغربي، حيث نشر البعض «خبر» موته، فتبين أن هذا الخبر عار من الصحة، وأن الرجل ما زال حيا يرزق. والشيء نفسه حصل منذ بضعة شهور للممثل النجم عبد القادر مطاع.
شيء مؤكد أن وراء مثل هذه الأخبار رغبة في كسب عدد أكبر من متصفحي المواقع المعنية، دون التأكد من مدى صحة ما يروج، ولا من مصداقية المصدر. كما أن من يرتكبون هذا الجرم لا يكلفون أنفسهم الاتصال بالمعنيين، وهم ـ في مثل هذه الحالات ـ شخصيات مشهورة في مجال الفن والإعلام.
لا يكفي الاعتذار بعد التسرع في نشر الإشاعات القاتلة. ذلك أن الضرر النفسي والمعنوي يكون قد حصل للفنان أو الإعلامي الذي زُعم أنه مات أو لأسرته وأصدقائه ومحبيه وجمهوره الواسع.
والواقع أن هذه الممارسات المتكررة في بعض المواقع الإخبارية تنضاف إلى التهميش الذي يعاني منه الكثير من رموز الفن والثقافة والإعلام في المغرب. فعوض تكريمهم ـ وهم أحياء ـ بالحجم اللائق بهم، يقع تجاهلهم وخلق الإشاعات حولهم تصل إلى حد الزعم بموتهم، وهم ما زالوا على قيد الحياة.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، فمن العار أن يظل الفنان والإعلامي عبد العظيم الشناوي (الذي لم يسلم هو أيضا من إشاعة الوفاة) يعاني حاليا المرض والعزلة والنسيان. فهل ينتظرون وفاته ليقيموا له حفلات التأبين والتكريم؟ نسأل الله أن يعجل بشفائه.
زلة لسان
لم يرحم المدوّنون زلة لسان فاهت بها مغنية شعبية مغربية خلال حفل غنائي أقامته في السعودية، إذ انهالوا عليها بالسخرية والذم، لا لشيء سوى لكون «المسكينة» خاطبت الجمهور السعودي قائلة: «أولادكم عندنا وبناتنا عندكم، مشاركين اللحم والدم».
هل كانت المغنية واعية بما تقول؟ أم إن ذلك الكلام جاء نتيجة فيض الكرم الذي أغدق عليها؟
وعلى كل حال، قد تكون تلك المغنية تتقن العزف على الكمان بالطريقة الشعبية المعروفة، وقد يكون غناؤها يلقى هوى في نفوس البعض أو الكثيرين. «وللناس في ما يعشقون مذاهب». لكن التحدث عبر الميكرفونات بعيد كل البعد عنها وعن أمثالها ممن يرتكبون كوارث عظمى خلال كلامهم أمام الجمهور أو خلال البرامج التلفزيونية.
*كاتب صحافي من المغرب