الصٌَحافة _ عبد الحميد العباس
تتمتع المؤسسة الملكية باختصاصات هامة في النظام السياسي المغربي، فهي تحتل مكانة سامية في النسق السياسي المغربي، نظرا لعدة عوامل مختلفة ومتداخلة فيما بينها،وتمركز هذه المؤسسة في هرم النظام المغربي، لم يكن وليد حدث معين، أو دستور محدد، فهي سابقة على الدستور، و إنما يرجع ذلك لجذور ضاربة في التاريخ المغربي، تعضدها الحمولة أو المشروعية الدينية، متمثلة في إمارة المؤمنين، ليتم التكريس الدستوري، لكل تلك المشروعيات من خلال أول دستور للمملكة سنة 1962، ليسمو بها فوق كل المؤسسات، ويؤكد عليه دستور 2011، فالملك هو رئيس الدولة و ممثلها الأسمى وضامن دوام الدولة و استمرارها و الحكم الأسمى بين المؤسسات ويسهر على احترام الدستور.
لقد كان المرحوم الحسن الثاني مغرقا في الإستعمال الرمزي للمؤسسة الملكية، و بالضبط حقل إمارة المؤمنين، في فترة الصراع السياسي مع المعارضة اليسارية.
غير أن مرحلة حكم الملك محمد السادس، تميزت بأسلوب جديد، قوامه التركيز على أوراش التنمية النهوض بالأوضاع الإقتصادية والإجتماعية للبلاد.
ومع أبرز الإنجازات السياسية التي مكنت الملك الشاب في سنواته الأولى للحكم، من القطع مع بعض سياسات والده الراحل، و تكريس مرحلة العهد الجديد، و إعطاء مفهوم جديد للسلطة، يكرس مسلسل الإصلاح السياسي و الإنتقال الديمقراطي. فكانت أول محطة بصمت فترة العهد الجديد، هي رفع الحصار عن مؤسس جماعة العدل والإحسان عبد السلام ياسين بعد عشر سنوات من الإقامة الجبرية، والسماح بعودة المعارض الماركسي أبراهام السرفاتي، و المصالحة التاريخية مع الريف، وسن مدونة جديدة للأسرة، قبل أن تنطلق مبادرة الإنصاف والمصالحة التي حاولت إنهاء جراح سنوات الرصاص.
كما دشن الملك مسارا تنمويا، انطلق مع ورش ضخم أطلق عليه، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
كما أن سياسة الأوراش الكبرى على مستوى البنية التحتية من طرق سيارة و موانئ عالمية كالميناء المتوسطي، أو مشاريع هيكلية أخرى صناعية و فلاحية، مكنت المغرب من تجاوز العديد من الصعوبات و فتحت آفاقا جديدة للتنمية.
لتأتي بعد كل ذلك سنة 2011، واحدة من أصعب السنوات في المنطقة العربية، فكان تحرك الملك حاسما، من خلال خطاب 9 مارس، داعيا إلى تشكيل لجنة لمراجعة دستور 1996، واضعا العديد من العناوين الكبرى، كالتكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية و ترسيخ دولة الحق و المؤسسات، و الإرتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، و توطيد مبدأ فصل السلط و توازنها و حكومة منتخبة منبثقة من الإرادة الشعبية، و دسترة هيئات الحكامة الجيدة و حقوق الإنسان.
غير أن الممارسة السياسية التي طبعت فترة حكم الملك محمد السادس، والتي حاول من خلالها تقوية شرعية الإنجاز و القرب والإنفتاح، لم تكن بالقوة الكافية للإسراع الفعلي و الحقيقي لمسلسل الإصلاح السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي، والإنتقال الفعلي للديمقراطية و تكريس دولة الحقوق و الحريات، وذلك راجع إلى عدة عوامل، كلها مرتبطة بالضعف البنيوي للنخب الحزبية المهترئة، التي تخلت عن مهامها الدستورية في تأطير المواطنات و المواطنين، و ارتمت في أحضان الريع و الغنائم و الإمتيازات، هذا بالإضافة إلى وجود طبقة مخزنية مستفيذة، متغلغلة في دواليب الإدارة، كابحة لكل فرص التغيير المنشود،الأمر الذي يفسر استفحال آفة الفساد المعرقل للتنمية،إلى درجة أن يتسائل الملك عن مصير الثروة التي لا يستفيد منها المواطن بالشكل المطلوب.
فالمأمول في المرحلة القادمة، هو التسريع في مسلسل ربط المسؤولية بالمحاسبة و تفعيل دور القضاء في محاربة الفساد، و البحث عن ميكانيزمات جديدة لإنتاج الثروة و الرفع من الناتج الداخلي الخام.
فالمشاركة في ممارسة السلطة تتطلب أحزاب قوية بأفكارها و نخبها، الأمر الذي لا يتحقق على أرض الواقع، فضعف الأداء الحكومي واضح للعيان، كما أن الصراع السياسي المصالحي و تغليب المصالح الشخصية، يستدعي أن يتوفر المغرب على مؤسسة قوية كالمؤسسة الملكية بصلاحيات دستورية تنفيذية و تدشين جيل جديد من الإصلاحات الإقتصادية و الإجتماعية، للإطمئنان على مستقبل الأجيال القادمة.