الصٌَحافة _ ادريس الكنبوري
عندما أقرأ أو أشاهد محاضرات لبعض دعاة الإصلاح “الديني” على اليوتيوب تكون صدمتي قوية، خصوصا عندما أراهم يتكلمون. بعضهم في حاجة إلى التعلم. بعضهم لديه عطل وفي حاجة إلى ميكانيكي. فقد نسب إلى سقراط قوله: تكلم لأراك. وعندما تنصت إلى هؤلاء لا ترى سوى الضباب.
دع عنك اللخبطة واللجلجة وخذ اللغة. فهؤلاء زادهم من اللغة العربية ضحل إلى درجة الجهل. لا يعرفون أبسط قواعد النحو والصرف التي تؤهل التلميذ لكتابة نص ذي إفادة، حتى إنك تعض على شفتيك غيظا وتتساءل في أي مدرسة درسوا.
لو كان هؤلاء “باحثين” في مجالات غير الدين والقرآن لهان الأمر. اللغة هنا مجرد وسيط والأخطاء واردة ومقبولة ولا توجد مشكلة. ما يهم هنا هو المحتوى لا اللغة، وحتى إن كانت اللغة هنا مطلوبة أيضا إلا أنها ليست فرض عين. وكل من يطالبك بإتقان اللغة يزيدك على الفريضة نافلة.
لكن أن يكون مجالك الدين، بل القرآن، بل إعادة”قراءة” النص القرآني، بل انتقاد التفاسير “التقليدية”، بل التأويل، بل التجديد، بل اتهام السابقين بعدم الفهم، ها هنا تكون لديك معضلة ولوثة في دماغك.
أمس استمعت إلى “محاضرة” لصديق أعرفه، حاصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، عن تجديد القراءة للقرآن، فوجدت أنه في ثلاثين دقيقة لم يركب جملة واحدة مفيدة. فأما ما أتى به فيحق أن يوضع أمام الباب حتى يمر عمال النظافة.
المصيبة أن شيخهم الذي يتمسحون بثيابه، محمد شحرور، هو صاحب هذه البدعة. الرجل شبه أمي في اللغة أو يكاد لكن الكارثة العظمى أنه يدعي بأن تجديد قراءة القرآن يجب أن تنطلق من اللغة ومن اللغة فقط. لكن الرجل شبه معتوه فقط.
عندما يكون قلبك فارغا من اللغة فكيف يكون أمرك مع البيان والبديع والبلاغة؟ كيف “تقرأ” القرآن وأنت لا تقرأ؟. لذلك أجد دائما المبرر لهؤلاء في هجومهم على التفاسير القديمة، وهو أن سبب ذلك عقدة النقص أمامها. وأكثر ما يثيرني كقارئ أنك تسمع أمثال هؤلاء يقولون: جميع المفسرين لم ي…. كل المفسرين التقليديين لا ي…إلخ. كلمة”جميع” هناك تخدع الشباب، لكن الحقيقة أن الواحد منهم لو قرأ فقط مجلدا واحدا للقرطبي لتحسنت لغته ونما عقله، فما بالك بالثلث من هذا “الجميع”؟.
أما إذا كان فعلا قد قرأ في بعض هذه التفاسير فلم يرتق مستواه فالأمر يعود إلى عدم الاستعداد للتعلم. فالقاعدة الذهبية في كل العلوم تقول: استوعب الفائت ثم تجاوز.
لا يمكنك تأسيس مشروع قراءة جديدة بلا أدوات، وقد قضى الراحل محمد أركون – وهو نقطة ضوء وسط هذا الظلام – سنوات طوالا في قراءة القرآن فلم يخرج بشيء ولا قرأ ولا جدد. لكن بدد وقته لأنه لم يتسلح كما تسلح القرطبي والرازي والطبري والشعراوي وسيد قطب.
تزببوا قبل أن تتحصرموا.