الكاش يغرق الاقتصاد المغربي ووالي بنك المغرب يعلن الحرب الصامتة

25 يونيو 2025
الكاش يغرق الاقتصاد المغربي ووالي بنك المغرب يعلن الحرب الصامتة

الصحافة _ كندا

تشكل السيولة النقدية أو ما يُصطلح عليه بـ”الكاش” معضلة مزمنة في الاقتصاد المغربي، ليس فقط بالنظر إلى آثارها السلبية على الشفافية المالية ومحاربة التهرب الضريبي، بل أساسًا لما تمثله من تحدٍ أمام الانتقال الرقمي والمالي المنشود. في هذا السياق، تأتي تصريحات والي بنك المغرب، السيد عبد اللطيف الجواهري، لتسلط الضوء من جديد على هذا الإشكال المتفاقم، ولتعلن عن قرب الانتهاء من إعداد تصور شامل لاحتواء الظاهرة وتقديم حلول ملموسة وقابلة للتنزيل.

من حيث المبدأ، يُحسب لبنك المغرب اتخاذه زمام المبادرة في تشخيص ظاهرة ارتفاع استعمال السيولة الورقية، والسعي لتأطيرها بتصور مندمج يشارك فيه الفاعلون المؤسساتيون والمهنيون المعنيون. لكن هذه المبادرة، رغم أهميتها، تطرح جملة من الأسئلة البنيوية المرتبطة بطبيعة الاقتصاد المغربي، ومدى جاهزيته المؤسسية والتكنولوجية للانتقال إلى مرحلة تقليص هيمنة النقد الورقي.

الظاهرة التي يسعى البنك المركزي إلى تطويقها ليست طارئة أو ظرفية، بل هي نتاج لتراكمات اقتصادية وسوسيولوجية وثقافية متداخلة. فالاستعمال المفرط للنقد في المعاملات اليومية يعكس، من جهة، ضعف الثقة في النظام البنكي، ومن جهة ثانية، محدودية الشمول المالي، واستمرار شريحة واسعة من المواطنين والمهنيين خارج نطاق الوسائط البنكية الحديثة.

إن طرح بدائل رقمية، كالأداء بواسطة الهاتف المحمول، والتوسيع الأفقي لمنظومة الخدمات البنكية الرقمية، يُعد توجها استراتيجيا لا غبار عليه. غير أن نجاحه رهين بتوافر منظومة تشريعية وتنظيمية محكمة، وبنية تحتية رقمية مؤمنة، والأهم، إرادة سياسية ومالية لتيسير التحول الرقمي في القطاعات الإنتاجية والخدماتية.

في ذات السياق، يُسجّل بإيجابية تصريح السيد الجواهري بأن ظاهرة “الكاش” ليست مرتبطة حصرًا بالقطاع غير المهيكل، مستشهدًا بتجارب دول كبرى تواجه نفس الإشكال رغم وجود اقتصاد غير رسمي قوي لديها. هذا التوضيح مهم لأنه يحرر النقاش من التفسيرات الاختزالية التي تربط النقد الورقي حصريًا بالتهرب أو العشوائية، ويتيح التفكير في حلول أكثر عمقًا، تشمل ثقافة الأداء، ومستوى التربية المالية، والولوج إلى البنيات الرقمية.

ومع ذلك، فإن نجاح الرؤية التي يعدها بنك المغرب سيعتمد بدرجة كبيرة على قدرة المؤسسات العمومية والبنكية على التنزيل التدريجي المتوازن لهذه السياسات، دون إقصاء للفئات الهشة، أو إحداث شرخ رقمي قد يُفاقم الفجوة الاجتماعية بدل ردمها. كما أن تجاوب الأطراف المعنية، خلال المهلة التي منحها البنك، سيكون معيارًا جوهريًا لتقييم نجاعة المقاربة التشاركية التي اعتمدها.

إننا أمام لحظة فارقة ينبغي أن تستثمرها الدولة والمؤسسات المالية لإعادة بناء العلاقة بين المواطن والنظام المالي. المطلوب اليوم ليس فقط تسريع الرقمنة في الأداء، بل ترسيخ الثقة، وتبسيط المساطر، وتعميم ثقافة بنكية شمولية، مع ربط كل ذلك برؤية تنموية تنبني على الشفافية والعدالة الجبائية.

ويبقى الأمل معقودًا على أن تشكل هذه الخطة، التي يرتقب الكشف عنها قريبا، بداية حقيقية لثورة هادئة في المنظومة النقدية المغربية، ثورة لا تحارب “الكاش” كغاية، بل تعيد الاعتبار لمقومات الشمول المالي كوسيلة لتحقيق نمو مستدام، وتنافسية عادلة، وسيادة رقمية متكاملة.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق