بقلم: محمد بوبكري
يروج خبر في الأوساط الإعلامية الجزائر أن الأجهزة الاستخباراتية عقدت اجتماعا موسعا شاركت فيه وزارتا الداخلية والدفاع، وأركان الجيش، والدرك، وأجهزة أمنية أخرى، خُصِّصَ لمناقشة الوضع الحالي في الجزائر، وما يمكن أن يؤول إليه بسبب التصاعد المستمر للحراك. وقد انعقد هذا الاجتماع لتدارس الوضع الأمني على ضوء التقارير التي أعدتها أجهزة المخابرات والدرك والداخلية.
وما يثير الاستغراب هو أن الاجتماع لم يركز على تطوير رؤية لإيجاد مخرج منقذ للجزائر من مأزقها الحالي، بل ركز على كيفية التحكم في الحراك الشعبي الذي تأكد أن الحلول الكاذبة التي تقدمها السلطة مرفوضة من قبل الشعب الجزائري، لأنه سبق لها أن نقضت وعودها، وطعنت الشعب مرارا من الخلف. وقد تأكد للشارع الجزائري أن السلطة لا تحترم التزاماتها وتعهداتها لأنها تقدم وعودا لامتصاص غضب الشعب الجزائري لا غير.
وقد تمخضت عن هذا الاجتماع خطة لإضعاف الحراك الشعبي وإيقاف زخمه، ما يدل على أن السلطة تخاف من خروج الجزائريين إلى الشارع احتجاجا ضد فسادها… هكذا صادقت الأجهزة الأمنية الجزائرية على الحل الأمني الذي يقوم على توجيه تهم الإرهاب إلى معارضي نظام العسكر، ما يعني أن الجنرالين “توفيق” و”خالد نزار” يرغبان في تكرار السيناريو الذي اشتغلا به خلال فترة “العشرية السوداء. وهكذا، تم إعداد قائمة بأسماء تنظيمات معارضة للنظام اتهمتها المخابرات الجزائرية بالإرهاب، وقررت توجيه هذه القائمة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجهات دولية أخرى. وقد ورد في هذه القائمة اسمي تنظيمين هما: “رشاد” والحركة التي يرأسها “فرحات مهني”، كما قامت الأجهزة الاستخباراتية بإعداد قائمة أولية تضم أسماء عشرين معارضا اتهمتهم بالإرهاب وقررت مراسلة مختلف المنظمات الدولية في هذا الشأن، وتضم اسمي الصحفي “هشام عبود” والدبلوماسي السابق “العربي زيتوت”. وقد سبق أن أصدر قضاء الجنرالات مذكرة بحث دولية تضم اسمي هذين الرجلين، إضافة إلى اسم “أمير دي زاد”. هكذا، فإن الأمر يتعلق برغبة السلطة في الانتقام من هؤلاء المعارضين الذين يوجدون بالخارج، بسبب نشاطهم الإعلامي المكثف الذي يعري يوميا فساد العصابة الحاكمة في الجزائر وظلمها…
وتجدر الإشارة إلى أن الطلبة الجزائريين قد تضامنوا مع المعارضين “هشام عبود” و”العربي زيتوت”، فرفعوا شعارات متضامنة معهما، ومدينة لممارسة العنف ضدهما من قبل الاستخبارات. وهذا ما يؤكد أنه لم يعد أحد في الجزائر يثق في أقوالها، بل إنها، على العكس من ذلك، تقوم بالدعاية لمعارضيها عبر محاولة الإساءة إليهم، حيث تحولوا إلى أبطال في نفوس الشعب الجزائري الذي يجد ذاته في خطاباتهم التي تنتقد السلطة بشكل لاذع. ويبدو لي أن هؤلاء المناضلين يحملون الوطن في عقولهم ووجدانهم، ما يدل على أن الوطن يسكنهم، رغم أنهم يقيمون خارج الجزائر. لذلك، نجد أن السلطة تستعمل القضاء والإعلام التابعين لها لإيذاء خصومها، الذين اختاروا العمل الإعلامي لفضح حقيقتها الكامنة في نهبها وعنفها بشتى أنواعه. وما لا تعيه هذه السلطة هو أن الحراك قد صار أكبر منها، ومتجاوزا لإمكانياتها، ويحظى بتعاطف دولي يحول دون إمكانية ممارستها للعنف ضده… كما أن إجراءات العنف التي تعتزم ممارستها ضد خصومها من الجزائريين المقيمين في الخارج، تجلب لهؤلاء تعاطف المجتمع الدولي والشعب الجزائري معا، حيث تحولوا داخليا ودوليا إلى أبطال ورموز، يصعب عليها المس بهم؛ إنها لا تدرك أن السعي إلى التضييق عليهم يجعل الشعب الجزائري يلتف حولهم، الأمر الذي يدل على غبائها…
وقد اتفقت مختلف أجهزة المخابرات الجزائرية على ذلك مؤقتا، في انتظار قيامها بتطوير مخططات أخرى على ضوء تطورات الوضع داخل الجزائر. بالتالي، يبدو لي أن السلطة تدفع الجزائر نحو الفوضى؛ على يد “عبد المجيد” و”شنقريحة” والعلبة السوداء لنظام العسكر. فهؤلاء يدمرون البلاد وذواتهم من حيث لا يدرون؛ فالشعب يعيش في فقر ناجم عن الفساد والمفسدين وقمع الحريات، الأمر الذي نجمت عنه أزمة اجتماعية خانقة، والدينار الجزائري يعيش حالة انهيار غير مسبوقة، ما نتج عنه ارتفاع أسعار المواد الأساسية التي يعاني الجزائريون من نذرتها، رغم أنها لم تعد في متناول أغلبيتهم الساحقة. إضافة إلى ذلك، تعيش الجزائر أزمة سيولة نقدية، حيث لا يمكن للجزائري التصرف في ودائعه البنكية، إذا كان يتوفر عليها. وإذا أراد ان يسحب مبلغا منها، فيلزمه أن يدفع رشوة محددة في نسبة مئوية قارة من المبلغ الذي يريد سحبه…
هكذا، فإن هذه الأجهزة الاستخباراتية لم تفكر في مطالب الشعب الجزائري، واهتمت فقط بمواجهة الحراك، ما يعني أنها تفكر فقط في استمرارها في السلطة بدون أية شرعية، مما يؤكد أنها تتصرف وكأنها توجد وحدها في هذا الوجود، وأن مشكلتها تكمن في أنانيتها التي جعلتها تنهب كل شيء، وتمارس العنف ضد معارضيها.
لذلك، يلزم أن تنصت السلطة إلى الشعب عوض اللجوء إلى العنف، حيث إن للشعب مشكلات معها وحدها، ولا توجد مشكلة له مع الخارج، ولا مع أعداء وهميين، لأن نظرية المؤامرة التي يصرفها العسكر ضد من يتوهمون أنهم أعداء الجزائر، قد تأكد أن الشعب الجزائري يرفضها، لأنه يعي أن الجنرالات قد اختلقوا هذه المناورة لإيقاف الحراك باسم ما يسمونه بـ”الوحدة الوطنية” ضد ما سموه بـ “المخاطر الخارجية”… فالشعب الجزائري يريد تقرير مصيره عبر الاستقلال عن الجنرالات الذين لهم مشكلات مع الشعب، ولا يمكن كسب ثقته بالكذب والافتراء. فـ”تبون” وغيره من الزعامات الكارتونية التي كانت تقبل حذاء ” بوتفليقة” مرفوضون من قبل الشعب، ما يجعلهم عاجزين عن التأثير في الشارع الجزائري.
تبعا لذلك، لا يمكن للعصابة الحاكمة في الجزائر أن تفرض أي شيء. وما دامت الأزمة الحالية التي تعيشها الجزائر قد باتت مهددة للكيان الجزائري، فالحس الوطني يفرض على الحكام الانسحاب لصالح وحدة الوطن، لأن استمرارهم في السلطة يهدد الوطن في وجوده. لكن يبدو أن الجنرالات لا علاقة لهم بالوطن، لأنهم خرجوا من رحم الاستعمار، وظلوا أبناء مطيعين له إلى اليوم. إنهم في أصلهم خونة، والاستعمار هو من زرعهم في شرايين السلطة الجزائرية ليظلوا في خدمته.
ومادام الشعب يطالب بتغيير النظام، فعلى حكام الجزائر أن ينسحبوا لكي يحصل الجزائريون على استقلالهم، الذي لم يعرفوه لحد الآن. فالعسكر ضد حرية الأفراد واستقلالهم عن السلطة، ما يعني أنهم ضد المواطنة والديمقراطية التي تتناقض جذريا مع طبيعتهم. فهم يريدون الولاءات والأتباع والتودد، وتلك أمور تقتل الفرد وتتنافى مع المواطنة. بالتالي، لا يكمن حل الأزمة الجزائرية في الحل الأمني، الذي لا تنتج عنه إلا الكوارث. فالشعب يريد التغيير من أجل استئصال الفساد والعنف عبر بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.