الصحافة _ كندا
رغم التحذيرات المتكررة الصادرة عن وزارة الداخلية، لا تزال الجماعات الترابية تتخبط في مستنقع الباقي استخلاصه، والفساد المالي، والعبث بمداخيل الأملاك الجماعية، في ظل تهاون واضح من رؤساء المجالس وغياب أي إرادة سياسية جادة لتصحيح الوضع. فقد تحوّل ملف الضرائب المحلية إلى أداة انتخابوية تتقاذفها الأحزاب، عوض أن يكون رافعة للتنمية ومصدراً مستقراً لتمويل المشاريع.
فشل استخلاص المليارات المستحقة لفائدة الجماعات يهدد بانهيار خدمات أساسية ويُغرق الميزانيات في العجز. والأسوأ من ذلك أن بعض الجماعات تواجه دعاوى قضائية بسبب قراراتها الاعتباطية في الإعفاءات الضريبية والتفويتات المشبوهة لعقارات عمومية تحت غطاء الغموض القانوني والتحايل على التقادم. وبينما تراكمت ملفات الغدر الضريبي، فضلت بعض المجالس دفن رؤوسها في الرمال، مفضلة سياسة “السكوت مقابل السكون”، إلى أن تحل لجان التفتيش والمجالس الجهوية للحسابات لتُكشف الفضيحة.
إن ما يجري في تدبير هذا الملف لا يعكس فقط ضعفا في الحكامة، بل يصل حد التواطؤ والخرق السافر لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فالرؤساء الذين يغرقون الجماعات في الديون، ويفشلون في تحصيل الضرائب، ويعجزون عن أداء مستحقات الشركات أو تعويضات نزع الملكية، يجب أن يُحاسبوا، لا أن يتحصنوا وراء صفاتهم الحزبية أو يلوّحوا بورقة “الأمية” كذريعة للتهرب من المسؤولية.
أمام هذا الواقع المتأزم، تبدو الحاجة ملحة إلى تسوية شاملة، ومراقبة دائمة صارمة من طرف سلطات وزارة الداخلية ومجالس الجهة، ومتابعة مستمرة من محاكم جرائم الأموال، لأن الوقت لم يعد يحتمل حملات موسمية تنتهي بعودة الأمور إلى حالها. منصب رئيس الجماعة ليس امتيازاً سياسياً، بل مسؤولية ثقيلة تُحاسَب على كل درهم يدخل أو يُهدر، وكل مشروع يتوقف لأنه لا توجد أموال في الصندوق، رغم أن الديون الضائعة بالمليارات تنتظر فقط من يملك الجرأة على تحصيلها.