الصحافة _ كندا
رغم الزخم الإعلامي الذي رافق الحديث عن “الطفرة الغازية” المرتقبة في المغرب، ما تزال مشاريع الاستكشاف البحرية تراوح مكانها، وعلى رأسها مشروع حقل آنشوا قبالة العرائش، الذي يُفترض أنه يحمل في جوفه نحو 18 مليار متر مكعب من الغاز القابل للاستخراج، لكنه لم يبرح بعد مرحلة الدراسات التقنية والتمويلية.
منذ عام 2020، تحولت السواحل المغربية إلى قبلة لشركات بريطانية طموحة مثل SDX Energy وChariot Oil & Gas، التي حصلت على تراخيص للتنقيب في مناطق بحرية متعددة. وقد أنجزت هذه الشركات بالفعل عدداً من المسوحات السيزمية ثلاثية الأبعاد، ما ولّد آمالاً كبيرة بإطلاق أول إنتاج بحري للغاز في تاريخ المغرب الحديث. غير أن تلك الآمال اصطدمت بواقع ميداني معقد، عنوانه ندرة منصات الحفر البحرية وارتفاع كلفة التشغيل اليومية.
ففي منتصف سنة 2024، اضطرت سفينة الحفر البريطانية Stena Forth إلى مغادرة السواحل المغربية نحو شرق المتوسط، حيث الفرص الاستثمارية أعلى والعائد أسرع، وهو ما أدى إلى تعطيل الجدول الزمني الذي كان يُفترض أن يقود إلى تطوير حقل “آنشوا” في 2025. ومنذ ذلك التاريخ، ظل المشروع حبيس الدراسات، في انتظار قرار استثماري نهائي لم يُتخذ بعد.
وتتجلى المفارقة في أن المغرب، الذي يملك واحداً من أكبر الاكتشافات الغازية غير المطوّرة في شمال إفريقيا، لم يتمكن بعد من ترجمة هذا المكسب الجيولوجي إلى عائد اقتصادي فعلي. فقد كشفت شركة Chariot في شتنبر 2024 أن الحفر في بئر “Anchois-3” أظهر وجود طبقات تحتوي على غاز طبيعي عالي الجودة، إلا أن السماكات أقل من التوقعات الجيولوجية، كما أن بعض الخزانات كانت مملوءة بالمياه، ما أعاد تقييم الجدوى التقنية للمشروع.
هذه النتائج دفعت شركة Energean البريطانية، التي كانت تملك حصصاً مهمة في تراخيص “ليكسوس” و”ريسانا”، إلى الانسحاب الكامل من المغرب بعد عام واحد فقط من دخولها السوق، لتعيد حصصها إلى شركة “شاريوت”. هذا الانسحاب عكس مؤشراً واضحاً على مخاطر الاستثمار في التنقيب البحري المغربي، الذي يتطلب تجهيزات متقدمة وتمويلاً ثقيلاً يتجاوز قدرات الفاعلين الصغار والمتوسطين.
ويرى خبراء الطاقة أن تعثر مشروع “آنشوا” لا يعود فقط إلى العقبات التقنية، بل أيضاً إلى غياب رؤية مالية واستراتيجية واضحة حول كيفية استغلال الغاز المغربي محلياً، سواء عبر إدماجه في منظومة الكهرباء أو في الصناعات الكيماوية. فبينما تمضي دول الجوار بخطى متسارعة نحو إنتاج الغاز وتصديره، يظل المغرب رهيناً لفجوة تمويلية وتشريعية تُبطئ كل تقدم في هذا القطاع الواعد.
ويجمع محللون على أن المغرب يقف اليوم أمام مفترق حاسم:
إما الانتقال إلى مرحلة الاستثمار الحقيقي عبر شراكات قوية ورؤية وطنية للطاقة المستقلة،
أو البقاء في دائرة “الوعود الجيولوجية” التي لا تُغني عن استيراد الغاز لتغذية محطات الكهرباء.
فـ”آنشوا”، الذي كان يُفترض أن يكون رمز السيادة الطاقية المغربية، تحوّل إلى مرآة تعكس بطء القرارات الاستثمارية وتعقيد البيروقراطية التي تخنق قطاع الطاقة في البلاد.