الصٌَحافة _ كريم عايش*
يبدو من خلال حملة التطهير الجديدة التي قام بها الجهاز العسكري بالجزائر، قد أتت على رموز بارزة سابقة في الدولة ممن عرفت بسلطاتها الواسعة، شبكاتها المترامية وعداءها للمغرب على جميع المستويات، فكان ايداعها سجن الحراش مؤشرا على نهاية حقبة بوتفليقة بتأكيد اتهامه و كل أعوانه و من يدور بفلكه بالفساد و تهديد مصالح الجزائر العليا، ويمكن ادراج طبيعة العلاقات المغربية الجزائرية ضمن هذه المصالح طالما أن المرحلة صارت دقيقة و الحياة السياسية شبه متوقفة ومفتوحة على كل السيناريوهات ان لم يم التعامل مع المطالب الشعبية بشفافية ومرونة.
هنا نسجل التعامل الإيجابي لكل من المغرب والجزائر مع المرحلة التي تمر بها هذه الأخيرة وغياب تصعيد من طرفها بخصوص قضية الصحراء، اذ تبقى تحركات البوليساريو سوآءا بالطائرة الرئاسية او على خطى الديبلوماسية الجزائرية جزء من عقيدة قديمة مازالت تمسك بأطراف الحكم بالجزائر حتى صارت عبئا عليها ستعمل لا محالة في المستقبل المتوسط على التخلص منها وذلك بعد بروز الدور الجنوب افريقي كحاضنة وممولة للجبهة وتراجع أدوار نيجيريا ودول أمريكا اللاتينية.
يمكن اعتبار المرحلة الانتقالية الجزائرية مرحلة تمهيدية لإعادة تقييم علاقاتها مع دول الجوار خاصة المغرب بفضل مجهوداته الكبيرة على مستوى العلاقات القارية، تبنيه مقاربة الرابح رابح في ما يخص العلاقات الثنائية ونجاعة سياسته لمكافحة الإرهاب واشتغاله الجاد على قضايا عالمية شائكة ذات ابعاد وطنية و إقليمية كالهجرة والمشاريع الكبرى ورغبته في تنظيم مشترك لكأس العالم بينه و الجزائر و تونس كخيار مغاربي يبث روحا جديدة في اتحاد المغرب العربي.
انفراج العلاقات وفتح الحدود، الى أي مدى؟
الرئيس الجزائري السابق بوتفليقة عاكس كل تطلعات الشعبين و كان حالة سياسية فريدة في تاريخ العلاقات المغربية الجزائرية، فبالرغم من ميلاده في وجدة و قضاءه جزءا كبيرا من حياته بالمغرب، الا أنه والعديد من السياسيين السابقين لم يعمل على تحسين للعلاقات و لا حل مشاكل عديدة بين البلدين كملف المغاربة المرحلين في السبعينات، التهريب على الحدود والاحتكاكات التي قام بها جنود جزائريين مع مغاربة رحل بالجنوب، ناهيك عن غياب خطاب واضح ومقنع بخصوص دعمه لما يسميه الشعب الصحراوي و تبنيه لتقرير المصير كحل لقضية الصحراء، كما يمكننا إضافة تصريحاته ووزراء حكومته المتناقضة تجاه المغرب و تعمدهم اطلاق اتهامات غير موضوعية حياله و حيال مؤسساته الاقتصادية و الوطنية، مما اعتبره الكثير عدم جديته و حكوماته المتعاقبة في تحسين و تطوير العلاقات مع جاره بما يخدم مصالح البلدين.
لدى رحيل بوتفليقة هو نهاية عبث ديبلوماسي جزائري ونهاية تخبط خطابها السياسي الخارجي تجاه المغرب لصالح صرامة وتعقل رسمي حالي سمته التريث والتفكير و الانكباب على القضايا الداخلية أولا لحفظ التوازن الداخلي و ضمان سيرورة عمل المؤسسات و استمرارية الدولة ريثما يتم تجويد النظام الديمقراطي وخلق مناخ سياسي صحي قد يمكن أنداك من إعادة التفكير في علاقات الجزائر الخارجية والانطلاق في ذلك من تغليب مصالح الشعبين في اندماج وإعادة بناء اتحاد مغاربي، نادت بها المؤسسات العليا بالمغرب في اكثر من مناسبة و أيدها في ذلك الرئيس التونسي القايد باجي السبسي والموريتاني المقبل محمد ولد الغزواني، كما سيكون التفكير في المرحلة القادمة مبنيا على تجاوز خلافات الرؤى المستقبلية بتبني خيارات استراتيجية تعيد النظر لا محالة في مكونات الاحلاف التقليدية ربما للتطلع الى مد جسر عبر المغرب للشريك الأوروبي وإعادة فتح خط تونس الدار البيضاء السككي وتسهيل إجراءات السفر والرفع من عدد الرحلات الجوية في افق فتح الحدود بين المغرب و الجزائر و رفع القيود على حركة التنقل بين البلدين.
الضغط الشعبي وفتح الحدود
تصاعدت في الآونة الأخيرة شعارات من قبيل “خاوة خاوة” و “كلنا المغرب” ثم “كلنا الجزائر” و “جيبوها يا لولاد” تزامنا مع انطلاق مباريات كأس افريقيا للأمم وخاصة مباريات فرق المغرب و الجزائر و التي عرفت رفع اعلام البلدين في المدرجات و الشوارع لكلا البلدين، غير ان ما ميز هذه الحملة الشعبية هو التحاق الجماهير بحدود البلدين و الاحتفال بالأعلام و الاهازيج و ابواق السيارات، وهنا خلق الحدث بالتحاق شاب جزائري بإخوانه بالمغرب عبر اجتيازه للسياج الحديدي الذي يفصل البلدين و الذي لم يمنع توقيفه من حرس الحدود من احتفال الجميع بنصر التأهل للنهائي، و هذا مؤشر قوي على إرادة التغيير لدى الاشقاء بالجزائر قادرة على خلق الحدث و تغيير المعطيات الجيوسياسية بالمنطقة والدفع بالعجلة السياسية الى تغيير واقع العلاقات المغربية الجزائرية من الانغلاق و الانعزال الى الشراكة و الاندماج، وان كانت قوى الممانعة بالجزائر تقاوم هذا المنحى المحتوم، فهي بكل تأكيد ستعيد النظر في حساباتها و ستأخذ هذا التوجه الشعبي الملح بعين الاعتبار، فالمغرب من اعلى هرم في السلطة مرورا بالأحزاب السياسية و مكونات المجتمع المدني طالبت بفتح الحدود و قامت بزيارات الى المسؤولين الجزائريين لحثهم على قبول الطلب المغربي بفتح الحدود غير ان الجواب كان آنذاك الانشغال بصحة الرئيس السابق وعدم استقرارها و التفكير في مستقبل الرئاسة والسيناريوهات المحتملة لما بعد بوتفليقة وهي مرحلة في اعتقادي تم طويها مقابل حراك شعبي مطالب بالديمقراطية سيؤخر في نظري البث في هذا الطلب الشعبي ريثما يتم انتخاب الرئيس الجديد و تنصيب الحكومة المقبلة.
*مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية