الضوء كخيار سيادي.. من عتمة إسبانيا إلى بصيرة المغرب

1 مايو 2025
الضوء كخيار سيادي.. من عتمة إسبانيا إلى بصيرة المغرب

الصحافة _ بقلم: ميمونة الحاج داهي

في مساء لم يكن مختلفًا في ظاهره عن سائر المساءات الأوروبية، سقطت إسبانيا فجأة في عتمة مفاجئة.

انقطاع واسع للكهرباء شلّ الحركة في مدن رئيسية، عطّل المصانع، أربك المعاملات البنكية، وأدخل قطاع السياحة في حالة ارتباك. لم يكن مجرد انقطاع كهربائي عابر، بل لحظة انكشاف لنموذجٍ اقتصاديّ ما زال يفترض استقرارًا تقنيًا لا يتحمل الاختلال.

لكن حين نتجاوز حدود الحدث، ونقرأه من زاوية استراتيجية، نلمح أكثر من مجرد عطب. ما حدث في إسبانيا كان تجسيدًا مكثّفًا لفكرة قديمة تُستعاد اليوم بقوة: أن الطاقة لم تعد مسألة تقنية أو خدمية، بل قضية سيادة اقتصادية واستقرار سياسي، بل وأمن قومي.

في ظل هذا التحول، تفرض المقارنة مع المغرب نفسها بقوة، لا باعتبار التفاوت في الإمكانيات، بل من حيث الفارق في الرؤية. ففي الوقت الذي أربك فيه انقطاع الكهرباء دولة صناعية كبرى، كان المغرب قد رسّخ، منذ أكثر من عقد، رؤية ملكية واضحة تُعلي من شأن الأمن الطاقي، لالذي لم يعد خيارًا ظرفيًا، بل أصبح أفق استراتيجي متعدد الأبعاد.

مشروع “نور” الشمسي العملاق، واستثمارات المملكة في طاقة الرياح، والهيدروجين الأخضر، وتوسيع الربط الكهربائي مع أوروبا وإفريقيا، ليست فقط إنجازات تقنية، بل هي تعبير سياسي واقتصادي عن تحول عميق: الطاقة في المغرب ليست موردا، بل مشروع دولة.

وعلى خلاف النموذج الإسباني، الذي ما زال مرتهنا لشبكات تقليدية ومصادر قديمة، فإن المغرب يبني بهدوء وبُعد نظر نموذجا مرنا، قادرا على مقاومة الصدمات، وجاذبا في الآن نفسه لرؤوس الأموال الدولية الباحثة عن الاستقرار في زمن يتعاظم فيه اضطراب الأسواق.

من الناحية الجيوسياسية، يعزز هذا التوجه المغربي مكانة البلاد كلاعب طاقي في إفريقيا والمتوسط، خاصة في ظل سعي أوروبا إلى فك الارتباط الطاقي من روسيا. المغرب هنا لا يقدم فقط بديلا مستقرا، بل يعرض شراكة تقوم على الاستدامة والموقع والموثوقية. في حين أن أوروبا، رغم قدراتها، ما زالت تبحث عن كيفيات التكيف مع تحولات المناخ والطاقة والجغرافيا السياسية في آن.

الأزمة الإسبانية الأخيرة أعادت فتح هذا السؤال بصيغة حادة: هل الاقتصاد الكبير وحده كاف لحماية البنية التحتية الحيوية؟ أم أن الرؤية الاستباقية والمراهنة على الطاقة النظيفة والسيادة التقنية هي وحدها التي تمنح الحصانة؟ ما بدا واضحا هو أن النجاة من الظلام لا تصنعها الوفرة، بل البصيرة.

لذلك، ليس السؤال اليوم عما إذا كان المغرب قد أحسن الرهان، بل عن مدى قدرتنا كمجتمع ومؤسسات على مواكبة هذا التوجه وتحويله إلى ثقافة إنتاج وسياسة عمومية راسخة. فرؤية الدولة، مهما بلغت من نضج، تحتاج إلى حامل اجتماعي واقتصادي يؤمن بأن الاستقلال الطاقي ليس ترفا، بل ضرورة وجودية في عالم يتغير بسرعة ويعاقب من يتأخر.

إن العتمة التي زارت إسبانيا، ولو مؤقتا، ليست سوى تذكير بأن الدول لا تقاس فقط بما تنتجه، بل بما تتوقعه قبل أن يقع. والمغرب، وقد أضاء شموعه قبل أن يحل الظلام، يقدم درسا استراتيجيا ثمينا في معنى أن تكون جاهزًا قبل أن تلوح الأزمة في الأفق.

وبين ظلام انقطع فجأة في مدريد، و “نور” يُبنى بتأنٍّ في ورزازات، يتجلى الفرق بين من يسابق الزمن، ومن يطارده.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق