الصحافة _ كندا
باشرت مصالح المراقبة الجبائية بمختلف المديريات الجهوية للضرائب عمليات مراجعة ضريبية موسعة استهدفت كبار المضاربين العقاريين المعروفين بـ”بارونات التجزئات”، وخاصة في جهات الدار البيضاء–سطات، مراكش–آسفي، وطنجة–تطوان–الحسيمة، وذلك بناءً على تقارير دقيقة من مصلحة تحليل المخاطر وتثمين المعطيات.
المعطيات التي أوردتها تقارير إعلامية كشفت عن اختلالات خطيرة في التصريحات الجبائية، وتفشي ممارسات التلاعب والتهرب الضريبي عبر بيوعات غير مصرح بها بـ”النوار”، خاصة في العمليات المرتبطة بحجز وتفويت البقع عن طريق عقود “تنازل” وهمية، وهو ما مكّن فئة من المضاربين من جني أرباح طائلة خارج أي إطار قانوني.
مصالح الضرائب استعانت هذه المرة بمعطيات مشتركة مع أقسام التعمير بالجماعات الترابية والوكالات الحضرية، ما أفضى إلى كشف شبكات متشابكة من “شناقة” الأراضي ورؤساء جماعات منتخبين يحجزون العشرات من البقع الأرضية مقابل عربون أولي لا يتعدى 3%، ثم يعيدون تسويقها بتنازلات موثقة تحقق لهم أرباحاً تتجاوز ما يجنيه المجزئون أنفسهم.
وتشير التحقيقات إلى استخدام شركات مدنية عقارية (SCI) كغطاء قانوني للمضاربة، وتحقيق أرباح من إعادة بيع عقود شراء لأطراف أخرى في مشاريع سكنية جديدة، فضلاً عن استغلال الدعم المباشر الموجه للسكن الاجتماعي لتسويق شقق جرى تشييدها عبر شركات بأسماء أفراد من عائلات منتخبين نافذين.
المثير أن نفس المنتخبين المتورطين في هذه العمليات عمدوا إلى عرقلة مشاريع منعشين ومجزئين آخرين، عبر الضغط الإداري والتسويقي، في محاولات مكشوفة لإزاحتهم من السوق أو ابتلاعهم.
وتأتي هذه التطورات في سياق تكثيف المديرية العامة للضرائب لجهودها في المراقبة، إذ أفاد تقريرها السنوي برسم 2024 بتحقيق ارتفاع غير مسبوق في عدد الملفات المدققة ميدانياً بنسبة 32%، وتحقيق مداخيل ناهزت 9.6 مليارات درهم، فيما بلغت المراجعات على الورق ما يقارب 61 ألف ملف.
عمليات التدقيق الجارية تكشف عن تحول جديد في فلسفة الإدارة الجبائية، قوامه التصدي للفئات المحمية تقليدياً وذات النفوذ المحلي، ووضع حد لحالات الجمع بين السياسة والمضاربة العقارية التي تستنزف موارد الدولة وتعمق أزمة السكن.
هذا التصعيد قد يُمهّد، بحسب مصادر من داخل الإدارة، لإجراءات أكثر جرأة، منها الإحالات على النيابة العامة والرقابة على مآل الدعم العمومي للسكن، ما يفتح الباب أمام مساءلة غير مسبوقة لشبكات ظلت لسنوات خارج رادار المحاسبة.