بقلم: عبد الصمد بنشريف
طريقة تعاطي الإعلام الجزائري مع الشؤون المغربية ، وبشكل خاص منذ العملية السلمية التي قامت بها القوات المسلحة الملكية يوم 13 نونبر2020 لإعادة الحركة إلى معبر الكركرات في النقطة الحدودية بين المغرب وموريتانيا، بعد أن كانت قد احتلته أكثر من ثلاثة أسابيع عناصر تابعة لجبهة بوليساريو، تجسّد مثالاً حياً ونموذجاً ساطعاً، يمكن الاستئناس به، للوقوف على معنى الحرب الإعلامية والنفسية الغبية والمتخلفة، وماتنطوي عليه من سطحية وفجاجة وبدائية. فمن يتابع ما تنشره الصحف وتبثه وسائل الإعلام الجزائرية سيقف على حجم التسميم والتضليل والافتراء وقلب الحقائق.
المؤسف والمؤلم، أنه مباشرة بعد الخطاب الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لتوليه الملك. انخرطت كل وسائل الإعلام في الجزائر في الصف المعادي للمغرب، وأعلنت حالة استنفار جماعية،لتقصف بشكل جنوني و بما أوتيت، من حقد وعداء وقلة حياء النوايا الحسنة وسياسة اليد الممدودة والحكمة المناصرة للحوار وحسن الجوار. والأدهى في الأمر، أن وسائل الإعلام الجزائرية ،أخرجت من قاموسها المتشنج كل النعوت التي تنمّ عن تجذّر مشاعر العداء والكراهية ،والتي تحيل على إحساس مرضي بالغرور والتغول والتطاول على المغرب. حيث لم تتردد غالبية الصحف، التي تعكس وجهة نظر ومواقف النظام، ومنظومة الجنرالات المتحكمة في دواليب ومؤسسات الدولة، في نعت خطاب جلالة الملك بكل الأوصاف السلبية والقدحية، وتمريغ وتقزيم وتبخيس مضامينه التي، فسرت من طرفها على أساس أن المغرب يوجد في موقف ضعف واهتزت فرائصه .ولم تجد أي حرج في الا ستخفاف برموزه، والتهكم على مؤسساته وثوابته .وربما وجدت في التلذذ باستعمال مصطلح المخزن، منتهى السعادة، وإشباعا لجوع رمزي مركب يتداخل فيه التاريخي بالنفسي بالجغرافي بالجيو استراتجي .وكأنها باستهلاكها المبالغ فيه لهذا المصطلح ، تريد إبلاغنا ،بأنها حققت اكتشافا غير مسبوق يشبه المعجزة.
لقد أصبت بخيبة أمل كبيرة، وأنا أتابع الطريقة التي تفاعلت بها وسائل الإعلام الجزائرية مع الخطاب الملكي. علماأنني كنت واثقامن أن، الجنرالات سيرفعون سقف العناد والاستفزاز ،وسيفسرون رسائل الخطاب تفسيرا مقلوبا، يتماشى وعقيدة معكاسة ومعاداة المغرب.حتى ولو بادرت أعلى سلطة في بلادنا، بالإقدام على خطوات جريئة ومسؤولة. لا يمكن لعاقل أن يصدها ،أو يرد عليها بمواقف سلبية ومستفزة بكل المقاييس. وإذا كان الأمر يتعلق بخطاب رسمي، لرئيس دولة في مناسبة ذات رمزية وحمولة خاصة، فإن الأخلاق السياسية والدبلوماسية ،ومقتضيات التاريخ والجغرافيا، تفرض تعاملا خاصا في مثل هذه المقامات والسياقات .لأن غياب اللباقة واللياقة وقواعد الاحترام والتقدير، حجة دامغة على وجود موقف جزائري رسمي يرفض الحوار وحسن الجوار والسلام والوئام .
لقد بدا واضحا، أن المغاربة تفاعلوا بقوة وعلى نطاق واسع مع ماجاء في الخطاب الملكي بخصوص العلاقة بين المغرب والجزائر. فهم اعتبروا أن تخصيص جزء كبير من خطاب العرش للعلاقة مع الجزائر ،يحمل في طياته دلالة خاصة ورسائل قوية وصريحة وصادقة وجريئة. فقد دعا الملك محمد السادس الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى “العمل سويا، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية، التي بناها شعبانا، عبر سنوات من الكفاح المشترك”، معتبرا أنه من غير المنطق بقاء الحدود مع الجزائر مغلقة.وأن “ما يمس أمن الجزائر يمس أمن المغرب، والعكس صحيح”، مؤكدا أن “المغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان”. وأن “الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول من طرف العديد من الدول. فقناعتي أن الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، وشعبين شقيقين”.
واعتبر الملك محمد السادس أن “إغلاق الحدود يتنافى مع حق طبيعي، ومبدأ قانوني أصیل، تكرسه المواثيق الدولية، بما في ذلك معاهدة مراكش التأسيسية لاتحاد المغرب العربي، التي تنص على حرية تنقل الأشخاص، وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال بين دوله”.وأضاف أنه عبر عن ذلك صراحة، منذ سنة 2008، وأكد عليه عدة مرات، وفي مختلف المناسبات، “خاصة أنه لا فخامة الرئيس الجزائري الحالي، ولا حتى الرئيس السابق، ولا أنا، مسؤولون على قرار الإغلاق، ولكننا مسؤولون سياسيا وأخلاقيا على استمراره؛ أمام الله، وأمام التاريخ، وأمام مواطنينا”.و أن “الحدود المغلقة لا تقطع التواصل بين الشعبين، وإنما تساهم في إغلاق العقول، التي تتأثر بما تروج له بعض وسائل الإعلام من أطروحات مغلوطة بأن المغاربة يعانون من الفقر، ويعيشون على التهريب والمخدرات”.وأردف قائلا: “بإمكان أي واحد أن يتأكد من عدم صحة هذه الادعاءات، لا سيما أن هناك جالية جزائرية تعيش في بلادنا، وهناك جزائريون من أوروبا، ومن داخل الجزائر، يزورون المغرب، ويعرفون حقيقة الأمور. وأنا أؤكد هنا لأشقائنا في الجزائر بأن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، كما لن یأتیکم منه أي خطر أو تهديد؛ لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا”.
وكان لافتا إعراب جلالة الملك عن أسفه “للتوترات الإعلامية والدبلوماسية، التي تعرفها العلاقات بين المغرب والجزائر، والتي تسيء لصورة البلدين، وتترك انطباعا سلبيا، لا سيما في المحافل الدولية”، وفي هذا الإطار جدد الدعوة “إلى تغليب منطق الحكمة، والمصالح العليا، من أجل تجاوز هذا الوضع المؤسف، الذي يضيع طاقات بلدينا، ويتنافى مع روابط المحبة والإخاء بين شعبينا”
بكل صراحة وبعيدا عن أي مزايدة أو غلو وطني، هل يمكن لنظام سياسي برغماتي ومتعقل. أومنظومة عسكرية رصينة ومتزنة وذات نظرة بعيدة ورؤية سديدة. وترسانة إعلامية مهنية وذات مصداقية، وهيئات حزبيةمستقلة وفاعلة ، أن تبخس وتتفه وتسخر من كل هذه الرسائل الإيجابية والصادقة.؟!
ليس هناك أدنى شك في، أن السيستيم في الجزائر، اختار طريق المغامرة والتصعيد والتعنت ولي دراع المغرب بكل الطرق والوسائل. ولا أظن أن المنسوب العالي للحقد والضغينة والتطاول والتحامل والتشفي،تجاه المغرب، والذي عكسته مختلف وسائل الإعلام في الجارة الشرقية ، مفصول عن ما يدور في عقول النظام الجزائري وجنرالاته.
هناك قناعة وعقيدة مركبة في الجزائر. تعتبر المغرب قوة احتلال وعدو كلاسيكي توسعي، والجدار الأمني الذي شيده في الصحراء رديفٌ للذل والعار. والمغرب، بحسب لإعلام الجزائري دمية في يد قوى دولية، ويعيش نظامه السياسي الذي ينعته بالمخزن، حالة من الضعف والإرتباك ،ودبلوماسيته فاشلة .إن تخصيص معظم الصحف الجزائرية صفحاتها الأولى لتقريض وذم وهجاء الخطاب الملكي غير المسبوق، سلوك غير مسؤول ولاعلاقة له بمهنة الصحافة. بل هو سخافة مطلقة ،ونزول مأساوي إلى الحضيض، وغرق حتى الأذن في وحل الغباء وانعدام المروءة والأخلاق.ومن يقف وراء هذه المهزلة يترجم بوضوح تام، عقلية بليدة وغارقة في الجهل والتحجر، وتعاني من فقر مدقع في إنتاج المواقف والأفكار الإيجابية. .لكن المانشيطات والعناوين الكارثية التي تفتقت عنها المخيلة العسكرية البئيسة لوسائل اعلام دوغمائية ،تدعي أنها مستقلة أكدت بالملموس أن التهريج والرعونة والتشنج واللغة الساقطة، وتعمد الإساءة إلى خطاب ملكي شكل حدثاتاريخيابامتياز،فيه تجاوزات كبيرة، ومغالطات فظيعة في فهم التاريخ السياسي ،وأسس الحكم والطقوس والتقاليد التي جعلت من الملكية في المغرب مؤسسة قوية ومستقرة وموحدة وجامعة ومواطنة .
ويجب أن يفهم السيستيم في الجزائر، أن الشعب المغربي بقدرماهومنتصر لأي مبادرةلإصلاح ذات البين بين بلدين جارين وتبديدالسحب السوداء التي عمرت طويلا وتجفيف ينابيع التوتر ، بقدر ما يبرهن لكل الجهات التي في قلبها مرض والتي تحقد على جار لم يرتكب من جرم ،سوى أنه أحسن معاملة الجزائر أيام الشدة ،واحتضن قادة ثورتها وساندهم بكل الوسائل والإمكانيات ،قلت ليبرهن أن هذه البلاد صف واحد وأمة متماسكة ومتراصة وقوية بهذا التلاحم العضوي والقوي بينه -أي الشعب- وبين المؤسسة الملكية.
أكيد أن المغرب ،له مشاكله الإجتماعية والاقتصادية . وعاش عقودا من الصراعات السياسة الضارية ،تخللتها تضحيات ومعاناة وجراح. وسنوات جمر ورصاص ولكنه اجتهد ويجتهد و ثابر ويثابر ،ليصوغ نموذجه التنموي والديمقراطي، بهدف التغلب على عدد من الاختلالات والأزمات .ولا يدعي أنه كامل ومطلق. ورغم ما تحقق من مشاريع وانجازات وتطورات في عدد من المجالات، فالطريق مازال أمامه طويلا ،لأن التواضع والثقة في النفس وإرادة التفاؤل من شيم الأمم الكبيرة والقوية والعريقة.
مانشاهده اليوم من تشنج وانفعال وغلو وحساسية زائدة عن اللزوم، وسط صناع القرار السياسي والدبلوماسي والعسكري في الجزائر، ووسط عددمن وسائل الإعلام التي تأتمر بأوامرهم،وتتبع بشكل مكشوف للمؤسسة العسكرية ،وتنخرط بحماس منقطع النظير، في ممارسة متدنية وهوجاء للفتك بأخلاقيات مهنة الصحافة ،واغتيال ممنهج للتاريخ والجغرافيا والعلاقات الإنسانية والأخوية والقيم النبيلة ،يجعلنا نشفق عليها ، ملتمسين من نشطاء المؤسسات الإعلامية ،أن يكونوا أنفسهم . وأن لا يتحولوا إلى جزارين مدججين بالسكاكين، لذبح الحقيقة ونحرها من الوريد إلى الوريد، قصد جبرخواطروإشباع رغبات مؤسسة عسكرية رعناء ومغرورة ونظام سياسي صار منذ سنوات رهينة لها، ولا شغل لهما سوى تصدير أزماتهما، والتخصص في اختلاق عدو تاريخي هو المغرب.عدو يهدد أمن الجزائر واستقرارها حسب ما تدعيه أدرع النظام المختلفةإعلاميةوحزبية ومدنية. ويسوق على أنه أصل كل البلايا والمصائب التي حلت بالشعب الجزائري، فيما الحقيقة،هي أن تحويل المغرب إلى عقدة بنيوية مزمنة، واستعمال البوليساريو كأداة لتدميره وإضعافه والنيل من وحدته الترابية،دفع الجنرالات ومن يدور في فلكهم، إلى ضخ وهدر مآت ملايير الدولارات لدعم الانفصاليين، وفي نفس الوقت، الاغتناء من تجارة السلاح ، ومن تسويق أسطورة العدو الكلاسيكي على الحدود الغربية للجزائر. وهذا النهج المدمر، كان سببا مباشرا، في تفقير الأغلبية الساحقة من مكونات المجتمع الجزائري، وحرمانها من شروط العيش الكريم ،والتنمية الشاملة والمؤسسات القوية وجودة الخدمات الأساسية.
ويبقى أن المغرب من خلال ماورد في الخطاب الملكي المشار إليه أعلاه، قام بدوره الأخلاقي كاملا، وتحمل مسؤوليته التاريخية و تقدم بعدد من المبادرات والاقتراحات، ووجه رسائل صريحة وواضحة إلى من يهمهم الأمر في الجزائر. و مد اليد للمصافحة والمصالحة. ونادى بضرورة طي الصفحات السوداء، والتوجه نحو المستقبل بعقلية جديدة وإرادة بديلة وؤية تنتصر للحكمة والحوار والمصالح المشتركة. وتأسيسا على كل هذه الحيثيات، فإن ذمة المغرب بريئة من كل اتهام رخيص بالتسبب في الاحتقان والحيلولة دون تحقيق المصالحة والتقارب بين البلدين واستئناف مسلسل البناء المغاربي.