الصحافة _ كندا
بينما تنفّست الرباط الصعداء، خيّم الغضب والارتباك على أجواء الجزائر وتونس وطرابلس، بعدما أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ولايته الثانية، عن فرض رسوم جمركية جديدة تطال أكثر من 180 دولة حول العالم. القرار الأميركي الذي سيدخل حيّز التنفيذ في التاسع من أبريل الجاري لم يمر مرور الكرام على دول المغرب العربي، إذ وُضعت ثلاث منها في طليعة قائمة المتضررين، ما أثار موجة قلق ورفض في الأوساط الاقتصادية والدبلوماسية على حدّ سواء.
تقرير حديث لمجلة لوبوان الفرنسية كشف أن ليبيا تتصدر قائمة الدول المغاربية الأكثر تضررًا، برسوم تصل إلى 31%، تليها الجزائر بنسبة 30%، ثم تونس بـ28%، في حين جاء المغرب في ذيل القائمة بنسبة 10% فقط، ما جعله يظهر كمستفيد نسبي من هذه العاصفة التجارية. هذا التفاوت في نسب الرسوم دفع ببعض المراقبين إلى وصف المغرب بـ”الناجي الإقليمي”، غير أن الأوساط الاقتصادية المغربية لم تُخفِ استياءها من الإجراء، واعتبرته خرقًا صريحًا لاتفاقية التبادل الحر الموقعة مع واشنطن منذ عام 2006.
أحد رجال الأعمال المغاربة عبّر عن خيبة أمله قائلاً: “عشر في المائة تبقى عشر في المائة، ونحن لدينا اتفاقية تبادل حر، هذا تراجع عن التزامات قائمة منذ سنوات”، في إشارة إلى ما اعتُبر تملصًا أميركيًا من تعهداتها السابقة. ورغم أن حصة الصادرات المغاربية نحو السوق الأميركية تظل محدودة – لا تتجاوز 3% لتونس، وأقل من 6% للجزائر، في حين تبقى ليبيا شبه غائبة عن خارطة الإنتاج – فإن الرمزية السياسية لهذا القرار تتجاوز بكثير ثقله التجاري، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التوتر والانكفاء في العلاقات المغاربية الأميركية.
ورغم أن المغرب نجا نسبيًا من وقع هذه الرسوم، فإن تأثيرها سيطال على الأرجح بعض القطاعات الحيوية، خصوصًا الصادرات الفلاحية والفوسفات ومشتقاته، إلى جانب قطاعات ناشئة مثل الصناعة والطاقة. ويبدو أن الرباط باتت مطالبة اليوم بإعادة التفكير في اختياراتها الاستراتيجية، وتنويع شراكاتها التجارية، وتقليص اعتمادها المفرط على الحلفاء التقليديين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، التي لم تعد تُخفي توجهاتها الحمائية الصارمة.
وفي المقابل، تبدو الصورة أكثر قتامة في الجزائر وتونس، حيث تمثل السوق الأميركية منفذًا حيويًا لبعض القطاعات المُدِرّة للعملة الصعبة، على غرار الطاقة والنسيج. ورغم ترجيحات بتحرّك دبلوماسي في كلا البلدين لمحاولة تخفيف حدة هذه الإجراءات، إلا أن الآفاق تبقى ضبابية في ظل إدارة أميركية ماضية في سياسة تجارية لا تعبأ كثيرًا بالتزامات الشراكة أو التوازنات الجيوسياسية.
هكذا تواصل إدارة ترامب الثانية إعادة تشكيل الخريطة التجارية للعالم على مقاس المصالح الأميركية، ولو تطلّب الأمر قلب الطاولة على شركاء تقليديين، وتمزيق اتفاقيات وُقعت قبل عقدين من الزمن. وبينما تراقب العواصم المغاربية هذا التحول الحاد، يبقى السؤال معلقًا: إلى أي مدى يمكن أن تصمد اتفاقيات “الحرية التجارية” في وجه رياح السياسة الواقعية والحمائية؟