إن الملف المطلبي الذي رفعه شباب جيل “زي” إلى الملك محمد السادس، واضعاً مطلب إقالة الحكومة في صدر أولوياته، أعاد إلى الواجهة سؤالاً حساساً: هل يمكن للملك أن يُعفي رئيس الحكومة؟ وإذا كان الجواب نعم، فبأي آليات يتيحها الدستور؟
الجواب المباشر أن الدستور المغربي، في فصله 47، لا يمنح الملك سلطة مطلقة لإقالة رئيس الحكومة بإرادة منفردة، كما قد يتبادر للبعض. لكنه يضع أمام المؤسسة الملكية، باعتبارها الضامن الأسمى لدوام الدولة واستقرارها، مسارات دستورية دقيقة، تجعل من الإعفاء نتيجة لمسار قانوني وسياسي محدد، لا مجرد قرار إداري فوقي.
الخيار الأول هو الاستقالة الطوعية لرئيس الحكومة. بمجرد أن يقدم رئيس الحكومة استقالته، يترتب عن ذلك، دستورياً، إعفاء الحكومة كاملة من لدن الملك. هنا لا يحتاج الأمر إلى أي إجراء إضافي، فالقواعد واضحة: الاستقالة تعني نهاية ولاية الحكومة، مع بقائها لتصريف الأمور الجارية إلى حين تعيين حكومة جديدة.
الخيار الثاني، وهو الأكثر تعقيداً، يكمن في حل البرلمان. الملك، طبقاً للفصل 51، يملك صلاحية حل مجلس النواب أو أحد مجلسيه بظهير ملكي، بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيسي مجلس النواب والمستشارين ورئيس الحكومة، على أن يسبق ذلك خطاب ملكي إلى الأمة. بمجرد حل البرلمان، يصبح منطقياً الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها، وما يفرزه الصندوق سينعكس مباشرة على بقاء أو رحيل الحكومة.
الخيار الثالث، أقل راديكالية لكنه ذو بعد سياسي واضح، هو أن يعمد الملك إلى تعديل حكومي جزئي عبر إعفاء وزراء أو إعادة توزيع الحقائب. هذا الحل لا يسقط الحكومة كاملة، لكنه يبعث رسالة سياسية قوية بضرورة التصحيح والاستجابة للغضب الشعبي، خاصة في القطاعات الاجتماعية الأكثر حساسية.
إلى جانب هذه الآليات الثلاث، يظل خيار الانتخابات المبكرة قائماً، خصوصاً وأن الملك دعا في خطاب العرش الأخير إلى اعتماد المنظومة القانونية المؤطرة لانتخابات مجلس النواب قبل نهاية السنة. يمكن، استناداً إلى هذا التوجيه، الإعلان عن انتخابات سابقة لأوانها، وبالتالي تجديد البرلمان والحكومة معاً.
ما يكشفه النقاش اليوم أن مطلب الإقالة ليس مجرد شعار احتجاجي، بل سؤال دستوري بامتياز. فالدستور المغربي، وهو دستور ملكية تنفيذية، منح الملك سلطة محورية في إدارة توازن السلطات، لكنه قيدها بمساطر واضحة حتى لا تتحول إلى أداة اعتباطية.
الخلاصة أن إعفاء رئيس الحكومة وفق الدستور ممكن، لكنه لا يتم بضغطة زر، بل عبر إحدى ثلاث بوابات: الاستقالة الطوعية، حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات جديدة، أو تعديل جزئي يفتح الباب لإعادة تشكيل المشهد السياسي. وما بين هذه الخيارات، تبقى الكلمة الفصل للسياسة، ولقدرة الدولة على استيعاب غضب الشارع ضمن قواعد الشرعية الدستورية.